الرئيسية المؤلف
المؤلف

سعود العمر

فلسفة التعصّب الرياضي

بواسطة سعود العمر

في عام ١٩٦٤، وفي تصفيات أميركا الجنوبية المؤهلة لأولمبياد طوكيو، التقى منتخبا الأرجنتين والبيرو. أُقيمت المباراة بالعاصمة البيروفية ( ليما ) بحضورٍ جماهيري كثيف. تقدم المنتخب الأرجنتيني في البداية بهدف واستطاع المحافظة على هذا التقدم، ولكن قبل نهاية المباراة بدقيقتين تمكن المنتخب البيروفي من تسجيل هدف التعادل. كان من الممكن أن تنتهي المباراة نهاية طبيعية لولا أن الحكم ألغى الهدف. وقد تسبب ذلك في حدوث هيجان وثوران بين الجماهير تطور لواحدة من أسوأ حالات شغب الملاعب في التاريخ .. كانت نتيجة هذا الشغب مقتل حوالي ٣٠٠ مشجع!

شغب الملاعب ليس النتيجة الوحيدة الخطيرة للتعصب الرياضي. ففي بعض الحالات وصل التعصب للقتل العمد المباشر، كما في حادثة مقتل المدافع الكولومبي ( أندرياس إسكوبار ) بسبب تسجيله بالخطأ هدفاً في مرمى منتخبه وحرمانه بذلك من التأهل لدور الستة عشر في نهائيات كأس العالم 94. وفي حالات أخرى وصل التعصب الرياضي إلى درجة ممارسة السحر بشكل علني، كما في الحادثة التي أشعلت فيها ساحرة ( فتيشاً ) في المدرجات في مباراة أقيمت في الكونغو عام ٢٠٠٨، ما أدى إلى تدافع الجماهير ومقتل ثلاثة عشر مشجعاً.

هذه الحوادث، على جسامتها، تعتبر تهريج أطفال إذا ما قورنت بالأحداث التي تلت المباراة الفاصلة بين السلفادور والهندوراس في تصفيات كأس العالم ١٩٧٠. تسببت أحداث تلك المباراة في تصاعد حدة التعصب الرياضي بين جماهير المنتخبين إلى درجة أن اندلعت الحرب بين الدولتين بعد المباراة مباشرة ولمدة أربعة أيام متواصلة! وقد وصل عدد القتلى في هذه المهزلة إلى ما يقارب الثلاثة آلاف .. وما تزال هذه الحادثة حتى الآن تسمى بـ ( حرب كرة القدم ).

رغم أن هذه الأحداث المؤسفة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتعصب الرياضي، لكن في الحقيقة أن حصر التعصب الرياضي فقط في هذه الأحداث الكارثية مشابه لحصر العلوم الطبيعية في أحداث قنبلتي هيروشيما وناگازاكي أو انفجار تشيرنوبل فقط، من دون النظر إلى الجوانب الإيجابية المشرقة فيها. أنا أؤمن أنه بالرغم من أن الطاقة والقوة الموجودة عند الجماهير من جرّاء التعصب الرياضي هي بمثابة مفاتيح لأبواب جهنم، أؤمن أن نفس هذه المفاتيح قادرة على أن تفتح أبواب الجنة.

هدف فلسفة التعصّب الرياضي

إن غايتي في هذا المقال هي البحث عن أسباب وجذور التعصب الرياضي. وأعتقد أن لهذا البحث فائدة تستحق العناء؛ فربما مكنتنا النتائج من أن نعيد توجيه هذا الحماس لقضايا أكثر أهمية. تخيل لو استطعنا أن نجعل الجماهير تتحمس لقضايا بيئية مثل حماسها لفريقها المفضل؟ تخيّل لو استطعنا أن نجعل الجماهير تشتري الكتب بدرجة إقبالها على شراء تذاكر المباريات؟ تخيّل لو استطعنا أن نجعل الجماهير تحضر المناسبات الثقافية بكثافة حضورها في الملاعب؟ ربما تعتقد أن كلامي هذا مبالغ فيه وغير منطقي. لكن اسمح لي أن أذكرك بأنه في العصر القوطي ( عصر شكسبير ) كانت أهمية المسرح عند عامة الناس لا تقل عن أهمية كرة القدم الآن. وأنه عند العرب قديماً كان لظهور شاعر فحل عند القبيلة من الأهمية ما يقارب الآن أهمية ظهور مهاجم موهوب.

أصل كلمة “تعصّب”

في البداية يجب أن نقف عند كلمة ( تعصّب ). لا أعتقد أنه سبق لهذه الكلمة أن استخدمت في سياق إيجابي؛ فدائماً ما ارتبطت بأحداث مشابهة للأحداث السالفة الذكر أعلاه. لكن في الأصل كلمة ( تعصّب ) تعني التجمّع والانضواء تحت عُصبة معينة. والعُصبة في اللغة هم الجماعة ما بين العشرة والأربعين. ولكن بحكم أن هذا التجمع والانتماء في الغالب لا ينتج عنه سوى نتائج وخيمة — مثل التعصب الرياضي والتعصب القبلي — تطورت هذه المفردة بمرور الوقت ليصبح معناها الانتماء البغيض الذي دائماً يصل لدرجة التمادي ورفض الحق ورفض كل من هو خارج هذه العصبة. على كل حال، ما أود التنبيه إليه والتشديد عليه هو أن المقصود بالتعصب في هذا المقال هو المعنى الأصلي للكلمة.

سحر الرياضة، من أين؟

حتى نستطيع أن نفهم كيف ينتج التعصب الرياضي، لابد أن نبدأ بالتساؤل عن سر هذا التعلًق اللامعقول بالرياضة؟ مالذي تفعله الرياضة لتسحر الناس هكذا؟ كيف يُخلق هذا الرابط المقدس الذي يربط الجمهور بمصير الفريق إلى درجة لا تكاد تصدق؟ لو سبق لك أن حضرت مباراة ذات أحداث درامية، فمن المؤكد أنك شاهدت رجالاً غلاظاً شداداً يدخلون في نوبة بكاء عاطفية بعد هدف فوز في آخر الدقائق. لابد أنك شاهدت انهيارات عصبية وإغماءات تحدث بعد خسارة مفاجئة. لابد أنك شاهدت الخوف والجزع والدعاء والابتهال الذي يغشى الجماهير في أثناء تنفيذ ركلات الترجيح وكأن خلودهم وخلود أحبابهم قد ارتبط بنتيجة المباراة .. من أين يأتي هذا السحر؟

هنا في أميركا ( مقر دراستي ) لا أمل من كثرة ما أردد لبعض الزملاء الأميركان أن لا شيء يثيرهم ويستفزهم ويحركهم مثلما تفعل كرة القدم الأمريكية.. لا شيء على الإطلاق.. حتى المسيحية لا تستطيع أن تفعل ذلك.

هناك أسباب لا نهائية لتفسير جاذبية الرياضة، مثل كونها وسيلة ترفيه أساسية، التركيز الإعلامي المسلّط عليها، الثراء، والشهرة، والنفوذ المصاحب لها وغيرها الكثير. رغم أن هذه الأسباب تفسر شيوع متابعة الرياضة، لكنها لا تفسّر التعصب الرياضي. فعلى سبيل المثال، مجال السينما يمتلك كل هذه الخصائص ورغم ذلك لا نشاهد تعصبات سينمائية. لا أظن أن أحد شاهد أعمال شغب لأن ( آفاتار ) لم يفز بأوسكار أفضل فيلم لهذا العام، أو شاهد احتفالات في الشوارع لأن ( مارتن سكورسيزي ) فاز بأوسكار أفضل مخرج عام ٢٠٠٦.

هناك أسباب أعمق من ذلك تصنع جنون الرياضة. في رأيي المتواضع إن الأربعة أسباب التالية هي أهم ما يصنع سحر الرياضة، ويخلق التعصب والحماس والارتباط الخارق بالفِرق الرياضية.

البحث عن الانتصار

إن غريزة الانتصار لا تقل أهمية عن غريزة البقاء عند الإنسان — الغريزة الأهم — بل إن الغريزتين مرتبطتان بشكل جوهري. فالبقاء دائماً للمنتصر. على صعيد الحياة اليومية يستطيع الإنسان أن يحقق نجاحات أكاديمية، مهنية، مادية.. إلخ. لكن في هذا السياق فإن “النجاح” و “الانتصار” هما شيئان مختلفان. كي تشبع غريزة الانتصار لابد أن يكون هناك مهزوم.. لابد أن تدحر شخصاً ما.. وهو ما لا يتوفر لنا في نجاحاتنا الشخصية التي لا تتجاوز كونها مجرد انضباط وجدية ذاتية. إن حياتنا اليومية بكل رتابتها وانسياقها لا توفر أي فرص انتصارات أو حتى فرص هزائم لنا. بينما الرياضة توفر لنا كل ذلك وأكثر.. فريقك ينتصر أحياناً، ويهشّم رؤوس الفرق الأخرى، وفي أحيان مغايرة يخرج متحطماً متناثراً ككتيبة حربية قاتلت حتى الرمق الأخير. إن لاعبك المفضل الذي بدا منكسراً ذليلاً في المباراة السابقة استطاع في هذه المباراة أن يجندل الخصوم واحداً تلو الأخر قبل أن يمزق شباك الخصم شر تمزيق. هذه هي لذة الانتصار.. لابد أن تهزم أحداً.. قد يبدو الأمر قبيحاً ..لكن هذه هي الطبيعة البشرية.

إن للانتصار أيضاً لذة جسدية لا تقل عن لذة الجنس، المخدارت، أو القفز من مكان شاهق. فعند الانتصار تدفع أجسامنا بمركب الدوپامين الذي يحفّز مركز اللذة في الدماغ لإحداث شعور بالسعادة، ويتدفق الإندروفين في أنحاء الجسم لمقاومة الإرهاق وبث البهجة وتخدير أي ألم، ويندفع الأدرينالين والتستسترون لزيادة نشاط الجسم. نتنفس بشكل أعمق، ويتحرك دمنا بشكل أسرع .. كل هذه المهرجان يحدث في جسمك لينتج لذة النصر العبقرية البدائية. اللذة التي نفتقدها وبشدة في حياتنا اليومية.. ولا نجدها إلا في الحماس والتعصب الرياضي.

الرغبة في الحديث

في زمن التخصص هذا، أصبح من الصعب جداً أن تملك وجهة نظر في أي شيء. كل شيء صار معقداً ومتداخلاً وسرياً وتآمرياً لدرجة أن لا أحد يعرف بالضبط مالذي يجري. ناهيك أن يكون له وجهة نظر فيه. بينما من جهة أخرى، الرياضة سهلة الفهم، ولأنها كذلك فهي توفر مجالاً خصباً للحديث وطرح الآراء وتبادل وجهات النظر.

في الحقيقة إن سهولة فهم الرياضة لا تنبع فقط من كونها نشاطاً بسيطاً. إن مهووسي الرياضة يستطيعون استرجاع كمية مذهلة من الحقائق الرياضية؛ فهم يتذكرون التفاصيل الدقيقة لمباريات أقيمت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. ولديهم أيضاً قدرة عجيبة على معالجة هذه الحقائق؛ فعند حساب نقاط الفوز والتعادل واحتمالات التأهل ينقلبون لعباقرة إحصاء واحتمالات. ما سر هذه القدرة الخارقة في التعامل مع المعلومات المتعلقة بالرياضة؟

في الواقع إن الرياضة مرتبطة بالأشخاص ( لاعبين، مدربين، إداريين، حكّام ) وأدمغتنا تستطيع معالجة المعلومات المرتبطة بالأشخاص أفضل بكثير من أي صنف أخر من المعلومات. ولإثبات هذه النقطة سوف أذكر لغزين بسيطين استخدمتهما عالمة النفس ( ليدا كوزميديس ) في إطار حديثها عن هذه النقطة، ولكن في سياق مختلف.

اللغز الأول: لدينا أربع بطاقات مكتوب عليها الأحرف A و D والأرقام 3 و 6. القاعدة تنص على أن أي بطاقة عليها حرف علة (Vowel) يكون عليها رقم فردي من الجهة الأخرى. السؤال هو كالتالي: أي من البطاقات الأربع تحتاج أن تسحب لتثبت صحة القاعدة؟ معظم الناس يجيبون بـ 6 أو A لكن الإجابة الصحيحة هي أنك تحتاج أن تسحب البطاقتين A و 3.

اللغز الثاني: يقف في البار أربعة أشخاص:الأول يشرب عصيراً،والثاني يبدو أن عمره 16، والثالث يشرب مشروباً كحولياً، والرابع عمره 25. إذا كان القانون لا يسمح لمن هم دون الحادية والعشرين بشرب الكحول، فأي من هؤلاء نحتاج أن نتأكد من هويته؟ معظم الناس يجيبون الإجابة الصحيحة على هذا السؤال وهي: الشخص الذي يشرب الكحول والشاب ذو الـ 16 عاماً.

تؤكد ( كوزميديس ) أن السؤالين على نفس الدرجة تماماً من ناحية التعقيد الرياضي -نسبة للرياضيات-، لكن لأن اللغز الثاني يتناول أشخاصاً تستطيع أدمغتنا أن تتعامل معه بشكل أسهل. والشيء نفسه يقال عن الرياضة. إن الرياضة سهلة للفهم لأنها مرتبطة بأشخاص، ولأنها كذلك، فهي توفر فرصة للتحليل والنقاش.

الرغبة في الانتماء

إن سلم حاجات الإنسان ( بحسب نظرية أبراهام ماسلو ) يبدأ أولاً بالحاجات الفيزيائية (كالأكل والشرب والتنفس) ثم يصعد ثانياً للحاجة للأمان، وثالثاً للحاجة للانتماء، ورابعاً للحاجة للتقدير، وخامساً للحاجة لتحقيق الذات. إن الرغبة في الانتماء لوطن، لدين، للغة أو لعائلة هي احتياج إنساني قوي جداً لا يتجاوزه إلا الحاجات الفيزيائية والحاجة للأمان (وفي بعض الحالات قوة الانتماء تتجاوز قوتهما).

مشكلة الانتماء عند البشر يلخصها بيت الشعر هذا للشاعر اليمني ( عبدالله البردوني ) : “يمنيون في المنفى، ومنفيون في اليمن … جنوبيون في صنعاء، وشماليون في عدن”. عندما يشاركك المحيطون بك انتماءك فأنت في الغالب لن تشعر بقيمته وبذلك لن تُشبع رغبتك في الانتماء. إذا كنت يمنياً وتسكن في اليمن فأنت لن تشعر بيمنيّتك. لكنك لو انتقلت لخارج اليمن -المنفى- سوف تشعر تلقائياً بهذا الانتماء. وهذه حال معظم انتماءتنا؛ كلها فاترة لأن كل من حولنا يشاركنا إياها.

الرياضة توفر حلاً فعالاً لهذه المشكلة. الكل شغوف بالرياضة. لكن كل زمرة تشجع فريقاً مختلفاً ( أنا هلالي وأنت نصراوي، أنت زملكاوي وأنا أهلاوي ) وبهذا يبقى لهيب الانتماء الرياضي مشتعلاً بعكس أي انتماء آخر، وبهذا تُشبع الرياضة الرغبة في الانتماء.

الرغبة في الثورة

الرياضة كما يراها اختصاصيو علم الاجتماع الرياضي — نعم، هناك تخصص بهذا الاسم — هي نسخة مصغرة من المجتمع. هناك اللاعبون المميزون، هناك اللاعبون السيئون، هناك المال، هناك السلّطة، هناك الأيديولوجيات، هناك القوانين، هناك الجهات التنظيمية. بل في الغالب يكون هذا المجتمع الصغير انعكاسا للمجتمع الحقيقي الأكبر؛ فعلى سبيل المثال، حتى القرن التاسع عشر لم تكن المجتمعات عموماً متسامحة مع النساء، لذلك كانت النساء في مجتمع الرياضة الأصغر ممنوعات من المشاركة.

من أكثر الخصائص التي تشد المشجعين للرياضة هي الرغبة في الثورة على هذا النظام الاجتماعي المصغّر، والرغبة في الانقلاب على قيّمه، والتمرّد عليه، وعدم الامتثال لأعرافه وتقاليده.

لنبدأ بالثورة على اللغة. في الحياة اليومية ننتقي كلماتنا بعناية، ونحرص أن تكون مؤدبة ورقيقة. لكن في عالم الرياضة نستطيع أن نثور ضد هذه اللغة. تأمل معي هذه المفردات الرياضية القتالية القاسية حتى تعرف ما أقصد: رأس حربة، طرد، ضربة جزاء، قائد الفريق، المرمى، ضربة مباشرة، تسلل.. إنها بلا أدنى شك مفردات حرب. ومن جهة أخرى، فجلوسك في المدرج الرياضي يعطيك تصريحاً بلفظ أسوأ ما يمكن أن تجود به قريحتك من شتائم، وتصريحاً بالصراخ والسب بأعلى صوت (بجد.. أين يمكن أن تجد مكان أخر تستطيع أن تصارخ وتشتم فيه بهذه السهولة؟).

الرياضة أيضاً تسمح للمشجعين بالثورة على السلطات التنفيذية.. ليست ضربة جزاء! ليس تسللاً! هذا الهدف غير صحيح! هذا الحكم مرتشي! هذا مدرب غبي! رئيس النادي لا يعرف رأسه من قدميه!

الرياضة أيضاً تسمح للمشجعين بالثورة على الأخلاق نفسها، فعلى سبيل المثال لا يوجد أرجنتيني واحد لا يفخر بهدف مارادونا الذي سجله بيده على إنگلترا في نهائيات كأس العالم ١٩٨٦.. حتى وهو هدف مغشوش.

تطبيقات للتعصب الرياضي في مجالات مختلفة

للانتماء والتعصب الرياضي جذور وأسباب متعددة، لكني سوف أقتصر مقالي على تلك الأربعة لاعتقادي أنها الأهم.

إن السؤال المحوري هنا هو: هل نستطيع استخدام هذه العناصر التي خلقت الحماس والتعصب الرياضي لخلق حماس وولاء وتعصب لقضايا أكبر وأهم؟

أعتقد أنه بالإمكان فعل ذلك ( لذا كتبت هذه التدوينة ). لنأخذ التعليم على سبيل المثال، ونحلله بناء على عناصر التعصّب الأربعة. هل يجد الطلاب أي انتصار لهم في تعليمهم؟ هل يرى الطلاب في مقرراتهم الدراسية مادة خصبة للحديث وتبادل وجهات النظر؟ هل يوجد لدى الطلاب أي انتماء لمؤسساتهم التعليمية أو المادة العلمية التي تقدم لهم؟ هل يجد الطلاب في ما يتعلمونه عوناً لهم في انتقاد بعض أوجه تراثهم والثورة عليه؟ .. للأسف، كل إجابات هذه الأسئلة هي “لا”.

برأيك لو استطعنا أن نحوّل إجابات كل هذه الأسئلة لـ “نعم”، هل تعتقد أن حماس الطلاب لتعليمهم سوف يقل بأي حال من الأحوال عن حماسهم وولائهم للرياضة؟ وقس هذا على أي قضية أخرى.

شكر وامتنان

في عام ٢٠١٠، وبتنسيق من الصديق العزيز إبراهيم السحيباني، قدم لي الدكتور الروائي المبدع أشرف فقيه الفرصة للكتابة في مدونته السابقة، وبحكم أن كأس العالم كان على الأبواب قررت حينها الكتابة عن فلسفة التعصّب الرياضي. نٌشر المقال مباشرة بعدها في المجلة الرائعة ( القافلة ) الصادرة من أرامكو، وكنت محظوظاً بأن وضعوا المقال غلافاً للعدد. بعدها بفترة قصيرة تلاشى المقال من الإنترنت، ورغم أن عمره كان قصيراً، إلا أن عدد قراءاته قارب الـ ١٣ ألفاً. أنا على قناعة أن انتشاره السريع كان بسبب النقص الشديد في المقالات التي تناقش التعصب الرياضي بواقعية، دون أي مثالية مصطنعة. عموماً، استمر اختباء المقال هذا عدة سنين، حتى اقترح علي المستشار الإعلامي الراقي أحمد الفهيد إعادة نشره، ولم أكن لأتمكن من ذلك لو لم ينبشه لي الصديق العزيز مهند الربيعة من تحت أنقاض الإنترنت. لكل هؤلاء الأصدقاء الرائعين: شكرا لا تكفيكم. 

0 تعليق
0 FacebookTwitterEmail

شتاء الذكاء الاصطناعي

بواسطة سعود العمر

“هناك احتمال ١٠٪ أو أكبر للانقراض البشري بسبب الذكاء الاصطناعي.”

نتيجة استفتاء أكثر من ٧٠٠ مختص في الذكاء الاصطناعي

يُسمي مختصون الذكاء الاصطناعي فترة الستينات من القرن الماضي ( العصر الذهبي للذكاء الاصطناعي ). فأثناؤها تم ابتكار العديد من أفكاره الجوهرية، وتسابقت حينها الجامعات الأمريكية، مثل MIT وستانفورد و كارنيغي ميلون، في إجراء الأبحاث بالتحالف مع الشركات الكبرى، كما قدمت مختلف الجهات العسكرية الدعم والتمويل. 

تزايد الحماس حتى غمر غير المختصين، وتكلل بإصدار فيلم ( ٢٠٠١: أوديسة الفضاء ) في سنة ١٩٦٨ للمخرج ستانلي كوبرك، والذي غرس فكرة الذكاء الاصطناعي في الوعي والخيال الجمعي من خلال شخصية ( HAL 9000 ) بصوتها الجذاب والمرعب في الوقت ذاته.

غلاف فيلم ٢٠٠١: أوديسة الفضاء

لكن مع بداية السبعينات بدأت الرياح تهب في اتجاه مختلف. يطلق الباحثون على حقبة السبعينات والثمانينات اسم ( شتاء الذكاء الاصطناعي ). الاسم يقصد به التشبيه بالشتاء النووي، وهو السيناريو التخيلي المدمر الذي يعقب استخدام السلاح النووي، ويتسبب بمضاعفات بيئية كارثية.

لكن ما سبب هذه التسمية بالغة التشاؤم والسوداوية؟ 

السبب أنه خلال تلك الفترة مرّ الذكاء الاصطناعي بأحلك أوقاته. فقد انخفض دعمه بشكل حاد، وقل حماس الجامعات والشركات، وتولدت حالة من الإحباط في أوساط المتحمسين والمهتمين به. كان هناك قناعة بأنه لم يفِ بوعوده، ولم يحقق أهدافه، ولم يقدم نتائج توازي ما صرف عليه. ففي تقرير نشر عام ١٩٧٣ من مجلس البحوث العلمي البريطاني تم وصف نتائج الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بأنها ” أسوأ خيبة أمل .. نتائج ضئيلة النفع مقارنة بميزانيات طائلة.”

استمر هذا الشتاء حتى التسعينات، ثم بدأت الأمور تتحسن، وخصوصا بعد انتصار نظام  IBM Deep Blue على أفضل لاعب شطرنج في التاريخ، غاري كاسباروف.

” أنا في نهاية الأمر مجرد إنسان. عندما أرى شيئاً يتجاوز قدرتي على الاستيعاب فإني أرتعب.”

تصريح أفضل لاعب شطرنج في التاريخ (غاري كاسباروف ) بعد هزيمته من الذكاء الاصطناعي

بعد مرور أكثر من ٢٠ سنة على انجلاء شتاء الذكاء الاصطناعي، نشر ( نيلز نلسون )، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، كتاب بعنوان ( السعي للذكاء الاصطناعي ) يرصد فيه تاريخ الذكاء الاصطناعي، ويتحدث عن حالة الإحباط منه في تلك الفترة، والتي ترافقت مع عدم تحقيقه النتائج المتوقعة حينذاك.

في الكتاب ذكر المؤلف نقطة في غاية الأهمية.

يقول إنه بلا أدنى شك أن جزءًا كبيراً من اللوم يقع على عاتق العلماء والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي الذين بالغوا وهولوا ورفعوا سقف التوقعات لدرجة غير منطقية مما أدى إلى اصطدام العديد من الشركات والجهات الحكومية بالواقع.

هذه المبالغات لم تتدرج، بل انطلقت مباشرة بعد الانتهاء من بناء أول نظام لتعلم الآلة اسمه Perception. صرّح حينها الباحث لصحيفة النيويورك تايمز أنه قريبا ستتمكن الحواسيب من التحدث والمشي والتكاثر (نعم قال التكاثر 😂) وستكون واعية، وسنتمكن من إرسالها في رحلات فضائية. حتى تتصور حجم مبالغة هذا الادعاء، فبعد سنوات قليلة تمكن باحثون في جامعة ستانفورد من بناء نظام ذكاء اصطناعي اسمه ( مادلين ). هذا النظام يعتبر أول نظام يستطيع حل مشكلة حقيقية يحتاج المجتمع لحلها. النظام كان ناجحاً لدرجة أن استخدامه استمر لعدة عقود .. لكن هل تعرف فائدته؟ .. لم يكن استكشاف الفضاء ولا التكاثر .. كان فقط قادراً على محو الصدى من المكالمات الهاتفية.

تقرير صحيفة نيويورك تايمز عن Perception

التاريخ الآن يعيد نفسه

“أولئك الذين لا يستطيعون تذكّر الماضي محكوم عليهم بتكراره.”

 حالياً نعيش حالة من الفوضى والضجيج والاندفاع نحو تطوير أنظمة ذكاء الاصطناعي، دون أي مراعاة لمخاطرها المحتملة وهو ما سوف يؤدي في نهاية المطاف لعودة شتاء جديد للذكاء الاصطناعي، بل إنه قد يؤدي لنتائج تدميرية على مستوى البشرية. ففي دراسة تمت سنة ٢٠٢٢، سُئل أكثر من ٧٠٠ من كبار الأكاديميين والباحثين في شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة عن مستقبله. قال نصفهم أن هناك احتمال ١٠٪ أو أكبر للانقراض البشري بسببه. تخيل معي أنك على وشك السفر بالطائرة في رحلة طويلة، وبعد إعلان فتح بوابة الطائرة اقترب منك مجموعة من المهندسين الذين صمموا الطائرة، وأكدوا لك أن هناك نسبة لا تقل عن ١٠٪ أنها ستقع، هل سوف تركب الطائرة؟

هذا ما دعى مئات الخبراء في شهر مارس الماضي لكتابة وتوقيع رسالة مفتوحة تدعو إلى التوقف لمدة ستة أشهر عن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعادل أو تزيد عن قوة الجيل الرابع من نظام GPT حتى يتسنى تطبيق بروتوكولات تضمن الأمان والسلامة. اُفتتحت الرسالة بالجملة المرعبة التالية: “إن الكثير من الأبحاث تؤكد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تصل لمستوى ذكاء الإنسان باستطاعتها أن تشكَّل مخاطر جسيمة على البشرية والمجتمع.” هذه الجملة ليست تخميناً، أو مبالغة، أو خيالاً جامحاً، هذه الجملة حقيقة أقرها ووقع عليها عدد كبير من سدنة الذكاء الاصطناعي حول العالم.

ناشدت الرسالة الحكومات والشركات بالتركيز على بناء أساس قوي لصناعة الذكاء الاصطناعي يأخذ في الاعتبار مخاطرها وفوائدها، بدلاً من التسابق المحموم نحو  تطوير أنظمة أكثر تطوراً دون أدنى مراعاة للمخاطر المحتملة. لضمان أمان وسلامة أنظمة الذكاء الاصطناعي يجب أن تتعاون الشركات مع خبراء مستقلين في تنفيذ بروتوكولات تسمح بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي تحت تدقيق وإشراف محكمين خارجيين. بالإضافة لذلك، يجب تطوير أنظمة حوكمة قوية وتمويل أبحاث السلامة للذكاء الاصطناعي.

أحيانا، يُردَّد بأن حدة التنافس بين الشركات والدول ( وخصوصا بين الولايات المتحدة والصين ) لن تسمح بتنفيذ هذا المقترح. هذا تحليل مجانب للصواب، لأن نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي والسماح بتداخلها مع مؤسسات وأفراد المجتمع دون أي تحكم أو مراقبة سيكون السبب الرئيسي والمباشر في خسارة سباق التطور. من يريد أن يكسب السباق يجب أن يكون أول الداعين لهذا التوقف المؤقت.

“السباق للسيطرة على السوق لا ينبغي أن يحدد سرعة انتشار أهم تقنية في تاريخ البشرية. يجب أن يتم تطوير الذكاء الاصطناعي برتم يمكننا من السيطرة عليه.”

يوفال هراري (أحد الموقعين على الرسالة المفتوحة)

حوكمة الذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية

تأثير الذكاء الاصطناعي على اقتصاد دول الشرق الأوسط كما يوضّحه تقرير حوكمة الذكاء الاصطناعي

تتطلب تحديات الذكاء الاصطناعي حلولًا وأفكارًا مبتكرة، ليس في الجانب التقني فقط، ولكن أيضًا في الجانب التشريعي. ولهذا نُفذت تجربة رائدة في المملكة العربية السعودية لتطوير وتقديم مجموعة متكاملة من المقترحات والتوصيات تحت إطار تقرير يحمل عنوان “حوكمة الذكاء الاصطناعي“، والذي أعده الباحث في الذكاء الاصطناعي الدكتور إبراهيم المسلم. يوضّح الدكتور المسلم أن الحوكمة هي “رسم السياسات، وتحديد المسؤوليات والصلاحيات، التي تضمن تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة وأخلاقية ومتوافقة مع قيم المجتمع”.

سلّط التقرير الضوء على المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن تبنّي تقنية الذكاء الاصطناعي في المجتمع، وقدّم العديد من التوصيات والحلول التشريعية لتفاديها. المخاطر التي ناقشها التقرير ليست مخاطر قد تحدث على المدى البعيد أو مخاطر قد تحدث، ولكن احتمال حدوثها ضئيل، بل هي مخاطر قد تحدث في أي لحظة، وواردة للغاية، ويجب أن تؤخذ في منتهى الجدية وإلا سوف تكون العواقب وخيمة، خصوصا إذا تم الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي دون أي ضوابط أو معايير. 

يقول التقرير أن لأنظمة الذكاء الاصطناعي دورة حياة، تبدأ بالولادة في المعامل والمختبرات، ثم تصل لفتوتها وعنفوانها عند تطبيقها وتبنيها في القطاعات الحكومية، ثم ترد إلى أراذل العمر حين تصبح مشاعا، ويتم تبنيها على نطاق واسع بين كل فئات وقطاعات المجتمع. في كل مرحلة من هذه المراحل يشكّل الذكاء الاصطناعي تحدياً بالغ الصعوبة، سواء للمطور أو المستخدم أو حتى صانع القرار. 

معضلة الصندوق الأسود

يؤسس التقرير في بدايته للمعضلة الأساسية التي قد تنجم منها بقية المخاطر، والتي تكشف مدى صعوبة ترويض الذكاء الاصطناعي. ففي خلال مرحلة بناء نظام ذكاء اصطناعي يمكن للمطورين أن يراقبوا البيانات التي يتم تغذيتها في النظام، ويمكن لهم أيضا أن يتابعوا النتائج التي تظهر منه. حتى الآن كل شيء يبدو طبيعياً، لكن ما هو غير طبيعي أن مطوري النظام لا يستطيعون أن يفسروا لماذا ظهرت نتائج معينة دون غيرها. في هذه الحالة يصير النظام مثل الصندوق الأسود، حيث يمكنك رؤية المدخلات والمخرجات، لكن لا يمكنك رؤية ما يحدث بينهما بالداخل، وهذا يؤدي إلى صعوبة اكتشاف الأخطاء، وصعوبة تصحيحها وتلافي تكراراها في حال اكتشافها. ولهذا السبب تحديداً تسمى هذه المعضلة بــ “معضلة الصندوق الأسود”. 

 هذا المأزق سببه أن نظام الذكاء الاصطناعي يتم بناؤه بطريقة غير خطية، فهو ليس مجموعة من الأوامر المتتالية التي تنفذ مهام محددة. نظام الذكاء الاصطناعي الحديث عبارة عن نظام شبكي مشابه لدماغ الإنسان (يسمى شبكة عصبونية) يتم تغذيته بالبيانات، ومن ثم يتعلم من تلقاء نفسه، وبالتالي، قد يتعلم بطريقة خاطئة، أو قد يتعلم أشياء أخرى لم نقصد تعليمه إياها من الأساس. 

لنأخذ مثالا حقيقياً، في أثناء إعداد دراسة عن حالات التحرش في الجامعات استعان باحث بـ ChatGPT، فذكر له حالة تحرش قام بها دكتور في كلية الحقوق، وأكد إجابته بذكر مصدره، وكان مقال من صحيفة واشنطن بوست. الكارثة إن اسم الدكتور حقيقي، ولكن المرجع المذكور والحالة بأجمعها ملفقة ولم تحدث. لماذا لفّق النظام هذه الإجابة؟ لا أحد يعرف. حتى المطورين في شركة OpenAI لا يعرفون. فالنظام لغز تقني، نظام معقد يعالج كميات كبيرة من البيانات، وينتج نتائج صعبة الفهم أو التفسير، مما يجعلنا نتعجب من قدراته ولكن في نفس الوقت نشكك في موثوقيتها.

التقرير لم يقتصر على توضيح المخاطر التقنية، بل تناول المخاطر الأمنية، مثل أتمتة الهجمات السيبرانية، وأتمتة حملات التصيد الإلكتروني التي تؤدي إلى الاستيلاء على البيانات الشخصية، واختراق الأنظمة، كما تناول مخاطر اجتماعية، مثل تلفيق مقاطع الفيديو ونشر الأخبار المزيفة لتجييش والتحكم بالرأي العام، وأيضا مخاطر نفسية من أشهرها ما يعرف بتشوّه السناب شات، وهو حالة نفسية يتناقص خلالها احترام وتقدير الذات بسبب الاستخدام الزائد لفلاتر تعديل ملامح الوجه المدعمة بالذكاء الاصطناعي في شبكات التواصل الاجتماعي. 

كمهتم في المجال التربوي شدني تأكيد التقرير على أحد أهم مخاطر الذكاء الاصطناعي في التعليم حيث أكد أنه “مع الحاجة إلى زيادة التركيز على علوم الحاسب في النظام التعليمي لتأهيل الطلاب لسوق العمل، ومع ضيق الوقت الدراسي، فإن المناهج الدراسية ستشهد انخفاضاً في مواد وعلوم أخرى كالفنون والعلوم الإنسانية التي لها ارتباط وثيق بالتفكير الإبداعي والتواصل والقدرة على التعبير، وهذا سيكون له تأثير معاكس في تنشئة الأطفال، وسيضعف قدرتهم على التركيز بشكل خاص، وقدراتهم الإدراكية والفكرية بشكل عام.”

الدرس الذي يجب أن نتعلمه من شتاء الذكاء الاصطناعي هو ألا نسوّق له من خلال الاندفاع في المبالغة والتهويل والتضخيم، كما يجب أيضاً ألا نندفع في تطويره دون أي تمعّن في العواقب والاحتمالات الوخيمة، وهو للأسف ما استشرى مؤخراً بين الشركات المطورة له. يفترض بكل مهتم ومختص بالذكاء الاصطناعي أن يبادر إلى توضيح إشكالياته وتحدياته، وأن يؤكد أن تطويره يحتاج وقتاً وصبراً وتوخياً وتقييماً مستمرا لمخاطرة ..

.. حينها سيزهر ربيع الذكاء الاصطناعي.

1 تعليق
0 FacebookTwitterEmail
لوحة تم إنتاجها باستخدام الذكاء الاصطناعي

“بدون أي نقاش، أعظم مخاطر الذكاء الاصطناعي هي أن البشر يظنون أنهم يفهمونه.”

الباحث في الذكاء الاصطناعي Eliezer Yudkowsky

في بداية عصر الحواسيب كان الشخص إذا مات لا يمكن لأي من أقاربه أو أصدقائه الإطلاع على ملفاته أو حساباته الشخصية بسبب حمايتها بكلمات سرية. تعايش الناس مع هذه المشكلة لفترة طويلة، لكن بدأت تحدث حالات يكون فيها الوصول لملفات المتوفي أمراً في غاية الأهمية وهو ما أوقع الشركات الكبيرة – مثل قوقل وآبل – في مأزق شديد .. 

.. وهذا ما دفع المبرمجين لاختراع تقنية ( مفتاح الموت ) ..

باستخدام تقنية ( مفتاح الموت )، يطلب الحاسب منك كل أسبوع أن تعيد إدخال كلمة المرور للتأكد من أنك ما تزال على قيد الحياة. وعندما لا تقوم بإدخال كلمة المرور يكرّر الحاسب الطلب منك بضع مرات، وإذا لم تستجب، يستنتج أنك مت. يقوم حينها تلقائياً بإرسال كلمات مرورك بالبريد الإلكتروني إلى صديق أو قريب من اختيارك سلفاً. 

بدأ الأفراد في استخدام ( مفتاح الموت ) للكشف عن أرقام حساباتهم المصرفية السويسرية لورثتهم، أو الرد لمرة أخيرة على جدال طويل، أو الاعتراف بأسرار كتموها طوال حياتهم. 

مع مرور الوقت، أدرك الناس أنه بالإمكان أن يستخدمو ( مفتاح الموت ) لتوديع أحبائهم ألكترونياً. بدلاً من إرسال كلمات المرور، صار الناس يبرمجون حواسيبهم لإرسال رسائل بريد إلكتروني إلى أصدقائهم لإعلان وفاتهم. كانت رسائل البريد الإلكتروني تكتب على شاكلة : “يبدو أنني ميت الآن، سأغتنم هذه الفرصة لأخبرك بأشياء أردت دائمًا التعبير لك عنها … “

بعد فترة وجيزة، أدرك الناس أن بإمكانهم أيضا برمجة الرسائل ليتم إرسالها في مواعيد محددة في المستقبل. مثلاً، صار ( مفتاح الموت ) يرسل رسالة كالتالي: “مرحباً يا بني، يوم ميلاد سعيد. لقد مرت 22 سنة على وفاتي. أتمنى أن كل شي على ما يرام. بلّغ تحياتي لأمك  “.

تدريجياً، بدأ الناس يبتكرون استخدامات جديدة لـ ( مفتاح الموت ). فبدلاً من إعلان وفاتهم في رسائل البريد الإلكتروني، تظاهروا بأنهم لم يكونوا موتى أصلاً. باستخدام خوارزميات الاستجابة التلقائية التي تحلل بذكاء الرسائل الواردة، كان يمكن لمفتاح الموت أن يولّد أعذارًا مقنعة لرفض الدعوات، أو لإرسال تهنئة على الزواج، أو التخرّج، أو قدوم مولود، كما كان يمكنه أن يضيف تظاهراً بالتطلع إلى التقاء المرسل إليه في أقرب فرصة.

اليوم، أصبحت برمجة مفتاح الموت للتظاهر بأنك لست ميتًا شكلاً من أشكال الفن. صار من الممكن أن تتم برمجته لإرسال فاكس من حين لآخر، أو إجراء تحويل بين الحسابات المصرفية، أو القيام بشراء رواية حديثة عبر الإنترنت. النسخ المتطورة من ( مفتاح الموت ) صار لديها القدرة على التعبير عن الحنين للذكريات القديمة،  وتذكّر المغامرات المشتركة، وتبادل القصص، وإلقاء الدعابات، والتفاخر والاعتزاز بالماضي.

على الرغم من إن البشر أدركوا منذ زمن بعيد أنه لا يمكنهم قهر الموت، لكنهم، من خلال ( مفتاح الموت )، أكتشفوا أن باستطاعتهم، على الأقل، أن يبصقوا في كأسه.

أدى هذا لثورة روحانية نادت بحرمة التعدي على صمت القبور. ومع ذلك، فإن أولئك الذين كانوا على قيد الحياة واجهوا مشكلة غير متوقعة في التفريق بين الموتى والأحياء. فقد كانت الحواسيب تعمل على مدار الساعة لإرسال رسائل اجتماعية مهذبة من الموتى للأحياء، كانت ترسل التحيات والتعازي والدعوات والمغازلة والأعذار والمحادثات الصغيرة والنكات التي لا يفهم مقصدها إلا الأشخاص الذين يعرفون بعضهم البعض جيدًا.

تجلى لنا الأن مصير المجتمع البشري، مات معظم الناس، وأنا واحد من القلة القليلة الباقية. بحلول الوقت الذي أموت فيه سيتم تفعيل مفتاح الموت الخاص بي، ولن يبقى إي شيء في هذا العالم سوى شبكة معقدة من الرسائل الإلكترونية مع عدم وجود أي شخص حي لقراءتها، سيتحول العالم إلى مجتمع من رسائل البريد الإلكتروني التي تنطلق ذهابًا وإيابًا تحت أقمار صناعية صامتة تدور حول كوكب يخلو من الحياة.

في المستقبل ستهبط حضارة فضائية على الأرض، وستكون قادرة فوراً على فهم حياة البشر، لأن ما سيتبقى منها هو شبكة علاقاتها: من أحب من، ومن نافس من، ومن خدع من، ومن ضحك مع من في الرحلات البرية وسهرات ليالي الصيف. في هذه الشبكة الإلكترونية العملاقة، كل إنسان يرتبط اسمه مع اسماء رؤسائه في العمل، وأشقائه ووالديه، واسماء خصومه وأصحابه وخلانه. تقنية ( مفتاح الموت ) تحاكي وتجسّد مجتمعنا تمامًا، بحيث يمكن من خلالها إعادة بناء الشبكة الاجتماعية بأكملها.

باختصار، كل ذكريات الكوكب ستعيش في شكل أصفار وآحاد. بهذه الطريقة سنتذكر المواقف التي أبهجتنا للأبد، وسوف نحصل على فرصة أخرى لقول كلمة طيبة لم نقلها في وقتها، وسنتذكر قصص وتجارب حياتنا التي لم يعد بإمكاننا الشعور بها. 

* ترجمة لقصة Deathswitch لعالم الأعصاب الأمريكي David Eaglman والتي نشرها في مجموعته القصصية المبهرة Sum

0 تعليق
4 FacebookTwitterEmail

عَرَاقِيل السعادة

بواسطة سعود العمر

ما أنا على وشك قوله سيبدو مبالغا فيه بعض الشيء، لكنه صحيح: دقائق القراءة التالية قد تكون أهم دقائق في حياتك. 

إذا تمكنت من فهم ما سوف أقوله فستدرك سر الاستيقاظ للحقيقة. ستكون سعيدًا للأبد. لن تكون حزينا مرة أخرى. لن يستطيع أي شيء إيذائك مرة أخرى.

أنا أعني ذلك، لا شيء على الإطلاق. 

أي محاولة لإيذائك ستكون مثل رمي الطلاء الأسود في الهواء؛ سيبقى الهواء غير ملوثا. لا أحد يمكنه أن يلوّن الهواء بالأسود. بغض النظر عن أي شيء يحدث لك ستبقى غير ملوثاً. ستبقى في حالة سلام. 

هناك بشر تمكنوا من الوصول لهذه المرحلة، مرحلة أن تكون إنسانا حقيقيا. ليس هذا الهراء من كونك دمية تسمح للأحداث والآخرين بأن يقرروا كيف تشعر. بعد ذلك تمضي قدما في الشعور بما أملوه عليك وتسمي ذلك ضعفا أو رقة. لا! أنا أسميه أنك دمية. هل تريد أن تكون دمية؟ إذا سوف نضغط على زر خلف ظهرك ومن ثم ستنطفئ؛ هل يعجبك ذلك؟ ولكن إذا رفضت أن يتم تصنيفك ضمن أي من هذه المسميات، فإن معظم مخاوفك ستنجلي.

أحيانا تشعر بالخوف من المرض والموت، ولكن غالبا ما تشعر بالقلق بشأنه هو ما سيحدث لمسيرتك المهنية. هناك رجل أعمال يبلغ من العمر خمسة وخمسين عامًا، يحتسي البيرة في حانة في مكان ما ويردد بتعاسة، “انظر إلى زملائي، لقد نجحوا.” الأحمق! ماذا يعني بـ “لقد نجحوا”؟ أسمائهم كتبت في الصحف؟ هل تسمي ذلك نجاحاً؟ أحدهم رئيس الشركة، والآخر رئيس منظمة، شخص آخر أصبح هذا أو ذاك. كلهم قردة.

من الذي يحدد ما يعنيه أن تكون ناجحًا؟ هذا المجتمع الغبي! الشاغل الرئيسي للمجتمع هو إبقاء المجتمع مريضًا! وكلما سارعت في إدراك ذلك كلما كان ذلك أفضل لك. 

كل واحد منهم مريض. إنهم مجانين، مجانين بالفعل. مبروك لقد أصبحت رئيسًا لمستشفى المجانين وأنت فخور بذلك على الرغم من أنه لا يعني شيئًا. 

كونك رئيسًا لشركة لا علاقة له بالنجاح في الحياة. امتلاك الكثير من المال لا علاقة له بالنجاح في الحياة. أنت ناجح في الحياة عندما تستيقظ للحقيقة! حينها لن تضطر للاعتذار لأي شخص، ليس لديك أي شيء لتبرره لأي شخص، لن يهمك ولن تبالي ولن تكترث بما يفكر به أو يقوله أي شخص عنك. ليس لديك ما يقلقك وأنت سعيد. هذا ما أسميه النجاح. 

الحصول على وظيفة جيدة أو أن تكون مشهورا أو أن يكون اسمك رنانا لا علاقة له على الإطلاق بالسعادة أو النجاح. تماما! ليس له أي صلة على الإطلاق. 

كل ما يقلق الشخص في المجتمع المريض هو كيف سينظر له أطفاله، وما سيفكر به الجيران، وما ستفكر به زوجته عنه. 

يجب أن تصبح مشهورا أو ثريا. مجتمعنا وثقافتنا يحفران ذلك في رؤوسنا ليلا ونهارا.

 الناس نجحوا! نجحوا في ماذا؟! بأن يجعلوا من أنفسهم حميراً. استنزفوا كل طاقتهم للحصول على شيء لا قيمة له. إنهم خائفون ومرتبكون، إنهم دمى مثل البقية. 

انظر إليهم وهم يتبخترون. انظر كم يشعرون بالضيق إذا دنس شيء ملابسهم. هل تسمي ذلك نجاحًا؟ انظروا إلى مدى خوفهم الدائم من سقوطهم وفشلهم يوما ما. هل تسمي ذلك نجاحًا؟ 

هؤلاء الأشخاص تم خداعهم والتلاعب بهم. إنهم أشخاص غير سعداء، إنهم أشخاص بائسين. إنهم لا يستمتعون بالحياة. فهم في حالة توتر وقلق دائمة. هل تسمي هذا إنساناً؟

هل تعرف لماذا يحدث ذلك؟ لسبب واحد فقط: إنهم يعرّفون ذاتهم من خلال أسماء. لقد حددوا ( الذات ) بالمال أو الوظيفة أو الإنجاز. هذا كان خطأهم.

هل سمعت عن المحامي الذي قدم له السباك فاتورة؟ قال للسباك، “مهلا، أنت تتقاضى مائتي دولار في الساعة. أنا لا أجني هذا القدر من المال كمحام”. قال السباك: “حتى أنا لم أجني هذا القدر من المال عندما كنت محاميًا أيضًا!” يمكن أن تكون سباكا أو محاميًا أو رجل أعمال أو كاهنًا، ولكن هذا لا يؤثر على ( الذات ) الجوهرية، ولا يؤثر عليك. إذا قمت غدًا بتغيير مهنتي، فهذا يشبه تغيير ملابسي. الذات لم يمسها شيء. هل أنت ملابسك؟ هل أنت اسمك؟ هل أنت مهنتك؟ توقف عن التماهي معها. هذه مجرد اسماء تأتي وتذهب.

عندما تستوعب هذا حقًا، فلا يمكن لأي نقد أن يؤثر عليك. لا يمكن لأي إطراء أو مدح أن يؤثر عليك أيضًا. عندما يقول أحدهم، “أنت رجل عظيم”، عن ماذا يتحدث بالضبط؟ إنه يتحدث عن ( الأنا ) وليس عن ( الذات ).  ( الذات ) ليست كبيرة ولا صغيرة. ( الذات ) ليست ناجحة ولا فاشلة. إنها ليست أيا من هذه الاسماء. هذه المسميات تأتي وتذهب. تعتمد هذه المسميات على المعايير التي يحددها المجتمع. تعتمد هذه المسميات على البرمجة والتكييف الاجتماعية. تعتمد هذه المسميات على مزاج الشخص الذي يحدث أن يتحدث إليك. لا علاقة لها بـ  ( الذات ). ( الذات ) ليست أي من هذه التسميات، لكن ( الأنا ) عموما أنانية، حمقاء، طفولية –باختصار حمار كبير. لذلك عندما تقول لي، “أنت حمار”، فسأجيبك بأني أعرف ذلك! أنت تتحدث عن الأنا المبرمجة والمكيفة من المجتمع – ماذا كنت تتوقع منها؟ لقد عرفت ذلك لسنوات. لكن لماذا تركز عليها؟ هذا سخف! هذه ليست ( الذات ) إنما هذه هي ( الأنا ).

هل تريد أن تكون سعيدًا؟ السعادة غير المنقطعة لا سبب لها. السعادة الحقيقية لا تسبب فيها. لا يمكنك أن تجعلني سعيدا. أنت لست سعادتي. عندما تقول للشخص المستيقظ، “لماذا أنت سعيد؟ سيجيبك، “لم لا؟”. 

السعادة هي حالتنا الطبيعية. السعادة هي الحالة الطبيعية للأطفال الصغار، الذين تنتمي إليهم الحياة حتى يتم تلويثهم بغباء المجتمع والثقافة. 

للحصول على السعادة، لا يتعين عليك فعل أي شيء، لأنه لا يمكن اكتساب السعادة. 

لماذا لا يمكن اكتساب السعادة؟  لأننا نملكها. كيف يمكنك الحصول على ما هو لديك بالفعل؟ 

إذن لماذا لا تشعر بها؟ لأن هناك شيء يجب أن تتنازل عنه. يجب أن تتنازل عن أوهامك. ليس عليك الحصول على أي شيء كي تكون سعيدًا؛ لكن يجب عليك أن تتنازل عن شيء ما. 

الحياة سهلة، الحياة مبهجة. الحياة قاسية فقط على أوهامك، طموحاتك، جشعك، ورغباتك. 

هل تعرف من أين تأتي كل هذه الأشياء؟ من التماهي مع الأسماء.

  • ترجمة من كتاب ( الوعي ) للقسيس وعالم النفس الهندي ( أنتوني دي ميلو ).
0 تعليق
1 FacebookTwitterEmail

“اسمحي لي أن أطرح عليكِ سؤالاً: لو دعى أحدهم الله أن يرزقه الصبر، هل تعتقدين أن الله سيعطيه الصبر؟ أم سيعطيه الفرصة ليكون صبورا؟ لو دعى أحدهم الله أن يصير شجاعا، هل تعتقدين أن الله سيهبه الشجاعة؟ أم سيعطيه الفرصة ليكون شجاعا؟ لو دعى أحدهم الله أن تكون عائلته أكثر تقاربا، هل تعتقدين أن الله سيرسل لهم مشاعر ضبابية دافئة؟ أم سيعطيهم الفرصة ليحبوا بعضهم البعض؟

من فيلم Evan Almighty

قبل أن نبدأ حديثنا أحتاج أن أنبهك لنقطة في غاية الأهمية: لو كنت تشعر بشعور نفسي حاد (سواء اكتئاب أو قلق أو ما شابه) فلا تتردد في استشارة مختص فورا، لا تعتبر هذه التدوينة بديلا للاستشارة. الخطأ وارد جدا فيما أذكر. لا تعتبر هذه التدوينة أكثر من دردشة مع صديق أثناء تناول كوبا من الشاي بالنعناع. في الصورة أدناه بيانات التواصل لتطبيق Famcare  للاستشارات النفسية. رغم أنه تجمعني صداقة مع مصمم التطبيق لكن هذا ليس إعلانا مدفوعا، أعجبتني فكرة التطبيق وأظن أنها ستفيد الكثير ممن يحتاجونه. 


في أحد الأيام فتحت تويتر ووجدت هذا السؤال في خانة التنبيهات: 

المغرّدة كانت تسأل: “كيف يمكن للشخص أن يتحكم بأفكاره ومشاعره؟ أنا أبحث عن إجابات حقيقية وعملية. أرسلوا إجاباتكم رجاء”

 هذا السؤال مهم وحساس، ولن نبالغ لو قلنا إنه قد يكون أهم سؤال يواجهه الفرد في حياته.  لنستعرض بعض الشخصيات الخيالية التي تجسّد حالات واقعية تتكرر كثيرا في المجتمع. 

ندى شابه في أول الثلاثين من عمرها تشعر بقلق دائم. تقلق على أطفالها، ووالديها، وزوجها، لدرجة بدت تشعر أن قلقها صار يسلبها متعة وجودهم حولها. 

فهد شاب يعيش حالة إحباط، فهو فنان، ولكنه يعمل في وظيفة روتينية. رغم أن راتب الوظيفة جيد لكنه يتمنى لو استطاع أن يكرّس بعض الوقت لفنه. 

رائد رجل أعمال ناجح، ولكن ضغوطات التجارة صارت تحرمه النوم والوقت مع عائلته وبدأت تتسبب في تدهور صحته. 

“ليس الحمل ما يثقل ظهرك، لكن طريقة حملك له.” 

سي إس لويس

المشاعر والأفكار السلبية كثيرا ما تكون حملا ثقيلا على الإنسان، وكثيرا ما يجد نفسه مضطرا أن يمضي حياته حاملها فوق ظهره يوما بعد يوم دون أن يعرف كيف يتعامل معها. أحيانا، يحدث أن يحاول مغالبتها بالإدمان على شيء ما: إدمان الكحول أو المخدرات، إدمان الأكل، إدمان الشراء، أو إدمان الشبكات الاجتماعية، ألخ. 

الحياة البناءة: القواعد الخمس للتعامل مع الأفكار والمشاعر

فعلاً، كيف يمكن للشخص أن يتحكم بأفكاره ومشاعره؟ في هذه التدوينة سوف أقدم طريقة اسمها ( الحياة البناءة Constructive Living ) للتعامل مع الأفكار والمشاعر بطريقة تساعدك على تشكيل حياة مفعمة بالإنجاز والثراء النفسي. مصدري الأول هو الكتاب الرائع الذي يحمل نفس اسم الطريقة والذي أتمنى أن يترجم للعربية. 

تقدم طريقة ( الحياة البناءة ) خمسة مبادئ للتعامل مع الأفكار والمشاعر من أجل حياة هادفة. طريقة ( الحياة البناءة ) ليست فقط طريقة علاجية لمن يشتكي من مشاعر سلبية أو صعوبات نفسية بل هي بئر من الحكمة لفهم الحياة وأنفسنا بشكل عميق. الطريقة مبنية على طريقة علاجية يابانية قديمة اسمها ( طريقة موريتا Morita  Therapy ).  قبل حوالي ثمانين عامًا، قام طبيب نفسي ياباني يُدعى ( شوما موريتا ) بتجميع بعض الأفكار لمساعدة نفسه ومساعدة مرضاه لإطلاق الإمكانيات الكامنة في داخلهم. أساليبه لا تزال تمارس في اليابان إلى اليوم. المبادئ تنطبق عليك وعلى نفسي كما كانت تنطبق على اليابانيين في أيام موريتا واليابانيين اليوم. 

 شوما موريتا

التجربة

قبل أن نتحدث عن مبادئ طريقة ( الحياة البناءة ) أحتاجك أن تنفذ تجربة صغيرة. من المهم جدا أن تنفذ التجربة حتى تتأكد بنفسك من صحة مقترحات الطريقة. 

خطوات التجربة كالتالي:

١ – أجلس في مكان هادئ. 

٢- ضع أمامك شيئا ما. مثلا، مزهرية، لوحة، قلم، محفظة، أي شيء. 

٣- الان مطلوب منك أن تركز بنظرك على هذا الشيء لمدة ثلاث دقائق. حاول ألا تفكر بأي شيء أخر.  لو تشتت تفكيرك بفكرة أخرى أعد انتباهك وتركيزك على الشيء الذي اخترته.

٤ – استخدم منبه لحساب الوقت. 

أبدء الأن، رجاء لا تواصل القراءة قبل إتمام التجربة. 

القاعدة الأولى

“إن الحصان المربوط في عمود بواسطة حبل سيحاول تحرير نفسه عدة مرات ليصبح أكثر ارتباطا بالعمود وأقل قدرة على الحركة. الأمر نفسه ينطبق على الأشخاص الذين يعانون من هوس التفكير والذين يصبحون أكثر حبسًا في معاناتهم عندما يحاولون الهروب من مخاوفهم وعدم ارتياحهم.”

المعالج النفسي الياباني شوما موريتا

هل تمكنت من التركيز على الشيء لمدة خمس دقائق؟ في الغالب خطرت على بالك عدة أفكار. ربما فكرت في الفائدة من التمرين، أو وجبتك التالية، أو كم بقي من الوقت. لا بأس في ذلك، هذا شيء طبيعي. لكن هل لاحظت رغم أن أفكارك كانت تأتي وتذهب أن عيناك استمرت تنظر للشيء طوال الوقت؟ بمعنى أخر، هل لاحظت أن قدرتك على التحكم بعينيك كانت أفضل من قدرتك على التحكم بأفكارك؟ قد تبدو هذه الملاحظة بديهية للوهلة الأولى، لكنها عميقة جدا وسوف نبني عليها كل المقترحات اللاحقة. الملاحظة تعني أنك تستطيع أن تتحكم بسلوكك أكثر مما تستطيع أن تتحكم بأفكارك، وبدرجة أقل مشاعرك. 

القاعدة الأولى: لا يمكن للإنسان أن يتحكم بأفكاره ومشاعره

لنتفكر قليلا في هذه القاعدة. إذا كان لا يمكنك أن تتحكم بمشاعرك، هل يمكن أن يلومك أحد إذا شعرت بالقلق أو الإحباط أو الحزن الشديد؟ الإجابة باختصار: لا. أنت غير مسؤول تماما عن مشاعرك وأفكارك. أفكارك ومشاعرك تأتي وتذهب من دون سلطة منك، وقد اختبرت ذلك بنفسك في التجربة التي قمنا بها. 

لنعد قليلا لبعض الشخصيات الخيالية التي قدمناها في البداية. ندى تشعر بالقلق، لكن في الحقيقة مشكلة ندى ليست الشعور بالقلق، مشكلتها أنها تشعر بضغط نفسي إضافي لأنها تشعر بالقلق. الشعور بالقلق سبب لها مشاعر سلبية أخرى لأنها تعتقد أنها مسؤولة عن شعورها بالقلق ومن المفترض ألا تشعر به. الفنان فهد محبط، ورغم أن ظروفه عمله لا تتغير كثيرا لكن إحباطه يتزايد. بمعنى أخر، إحباطه يحبطه. بدلا من أن يكون عند فهد إحباط واحد صار عنده إحباطين: إحباطه من عمله، وإحباطه من إحباطه. 

في حالتي فهد وندى من المهم أن يدركوا أنهم غير مسؤولين عن مشاعرهم. هذا لن يحل المشكلة لكنه سيمنعها من التفاقم. بمجرد أن يقتنع الإنسان أنه لا يمكنه التحكم بأفكاره ومشاعره فإنه يحيطها بسياج يمنعها من التضخم. 

القاعدة الثانية

القاعدة الثانية: يجب أن تتقبّل مشاعرك

عندما تدرك أن مشاعرك ليست في تحكمك فإن تقبّلها يصبح سهلا عليك. لكن ماذا يعني ( التقبّل ) بالضبط؟ هل هو الاستسلام؟ هل هو الخضوع؟ هل هو شعور سلبي؟ لا ليس أي من ذلك. ( التقبّل ) يعني ( إدراك حقيقة الموقف ). لنوضح الفكرة بقصة قصيرة. 

قبل عدة سنوات كنت في زيارة لأحد أقاربي في المستشفى وأخبرني عن حادثة مازالت عالقة في ذهني. كان منوما في غرفة فيها سريرين بينهما ستار، وفي السرير الأخر رجل كبير السن. في أحد الأيام دخل مجموعة من الأطباء الغرفة ووقفوا أمام سرير الرجل المسن وأغلقوا الستارة الفاصلة. بدأ أحد الأطباء يشرح حالته الصحية الصعبة والرجل المسن يستمع دون تعليق وقريبي يستمع. توقف الطبيب قليلا، ثم أكمل بصعوبة موضحا أنهم مضطرين أن يبتروا ذراعه. لم يسمع قريبي أي ردة فعل للرجل المسن. بعد بضع دقائق خرج الأطباء، وبقيت الستارة مغلقة بينهما. يقول قريبي أنه انتظر قليلا، ثم نهض وتوجّه للرجل المسن لمواساته. “والله قمت وما أدري وش أقول له”، أخبرني قريبي. فعلا، كيف تواسي شخصا أخبره الطبيب للتو أن ذراعه ستبتر؟ سحب قريبي الستار وتفاجأ بأن وجه جاره المسن بدى بشوشا كما هي عادته. حاول البدء في الحديث لكن جاره المسن قاطعه مباشرة رافعا يده بينهما، قائلا: “هذي اليد ما قصرت، خدمتني سبعين سنه.” نظر له قريبي بشيء من عدم التصديق وقال له: “ماشاءالله، كنت بقولك نجيب شيخ يقرأ عليك، لكن انت الي تعال تكفى أقرأ علينا”. 

الرجل المسن تقبّل خبر قطع ذراعه لأنه أدرك حقيقة الموقف. أدرك أن قطع ذراعه أمر لا مفر منه وأن أي حالة سخط أو غضب لن تغير من الأمر شيئا. تقبله للموقف لا يعني أنه يعجبه، أو يتمناه، أو أنه فرح به، لكنه يعني أنه فهم أن الأمر حتمي وأن رفضه ومقاومته له لن تتسبب إلا بمزيد من المعاناة، وأنه لا يوجد أي قدر من المعاناة بإمكانه أن يغير ما هو حتمي الحدوث. إذا كنت تريد أن تعاني فلك ما شئت، لكن ذلك لن يغير من الأمر شيئا.

استرجع شيء حدث وسبب لك حالة من ( عدم الرضا ). قد يكون شيء سبّب لك قلق مثل انتظار نتيجة تحليل طبي، أو سخط مثل فاتورة مبالغ فيها أو زحمة طريق، أو حنق مثل رسالة أو اتصال لم يجب الطرف الأخر عليها. الأن، حاول أن تدرك حقيقة الموقف: ما لفائدة التي جنيتها من شعورك بالغضب أو السخط؟ هل غيّر في الموقف أي شيء؟ النتيجة هي هي. كل ما في الأمر أنك سببت لنفسك ألماً داخلياً دون أي مبرر. عندما تدرك حقيقة الموقف ستتقبله، وعندما تتقبله لن يتضخم ويسيطر عليك.

“إن التشبث بالغضب يشبه الإمساك بجمرة متوهجة بنية الالقاء بها على شخص آخر، لكن انت من يصاب بأضرارها”

بوذا

القاعدة الثالثة

القاعدة الثالثة: لكل شعور، مهما كان مؤلما، فائدته

هل القلق والغضب والإحباط والحزن مشاعر سلبية يجب ألا نشعر بها؟ لا، هذه المشاعر مفيدة. القلق أو الغضب يعطي طاقة نفسية تساعد في البدء بردة فعل المناسبة، الألم يعيدنا للواقع ويجعلنا أكثر قدرة على التعاطف مع آلام الأخرين، الشعور بالذنب يدفعك لإعادة التفكير بتصرفاتك كي لا تكرر أخطائك. يقول ( نيتشه ): “إذا كنت ترغب في لذة النمو، فاستعد لبعض الألم. أما إذا كنت لا تريد أن تتألم فاذهب وانكمش وكن جزءًا من القطيع.” كما عبّر بطريقة أكثر شاعرية مرة أخرى عن نفس الفكرة قائلا، “يجب أن تتملكك الفوضى الداخلية قبل أن تتمكن من ولادة نجمة متلألئة”.

ندى كانت تشعر بقلق شديد على أفراد عائلتها. شعورها بالقلق صار يتضخم مع مرور الوقت. لكن داخل أعماق هذا الشعور هناك بذرة للتغيير. قلقها يحاول أن يوصل لها رسالة معينة. ربما يجب أن تهتم أكثر بعائلتها، ربما هناك خلافات عائلية يجب أن تعالج، ربما هناك ضعف في التواصل والتعبير عن المشاعر بينهم، وهذا القلق يحاول أن ينبهها لما يجب أن تفعله. لو كنتَ سوف تقدم عرض مهم لجمع كبير، أو كان لديك اختبار أو مقابلة عمل، وشعرت بالقلق فقلقك ما هو إلا تذكير نفسي للاستعداد بشكل أفضل. إن إدراك هذه الفوائد المحتملة يقودنا إلى تقدير كل المشاعر. بدلاً من محاولة التخلص منها يجب أن نحاول أن نصغي لها. 

“يجب أن تتملكك الفوضى الداخلية قبل أن تتمكن من ولادة نجمة متلألئة”

نيتشه

القاعدة الرابعة

القاعدة الرابعة: تتلاشى المشاعر بمرور الوقت، ما لم يتم إعادة تحفيزها

بمرور الوقت، فإن أسوأ حزن أو ألم أو صدمة أو خوف سيفقد تأثيره ويصبح مجرد ذكرى. الولادة، حفر سن عند طبيب الأسنان، فقدان أحد الأحباء، أو فورة الغضب أثناء جدال – كلها سوف تتلاشى ما لم يحدث شيء يثيرها مرة أخرى. وهنا يكمن بصيص الأمل للبائسين: لن تستمر حدة المشاعر إلى الأبد. سوف تخبو.

لا شيء يدوم على حاله، سعادة اليوم قد تكون أول خطوة في معاناة الغد، ومعاناة الغد قد تؤدي إلى سعادة بعد الغد. في التراث الصيني هناك قصة قصيرة توضح هذه الفكرة. 

ذات مرة كان هناك مزارع هرب حصانه. جاء جميع جيرانه لمواساته ذلك المساء. قالوا له: “آسفين جدًا لسماع أن حصانك قد هرب. هذا سيء للغاية “. فقال: “ربما”. في اليوم التالي، عاد الحصان حاملاً معه سبعة خيول برية ، وجاء الجميع في المساء وقالوا ، “أوه ، يا لسعادة حظك! يا له من تحول كبير للأحداث. لديك الآن ثمانية خيول “. فقال: “ربما”. في اليوم التالي حاول ابنه ركوب أحد هذه الخيول، فسقط وكسر ساقه. وقالوا جميعًا، “يا عزيزي ، هذا سيء للغاية!” فقال: “ربما”. في اليوم التالي جاء ضباط التجنيد لتجنيد الناس في الجيش، ورفضوا ابنه لكسر في ساقه. وجاء كل الناس وقالوا، “أليس هذا رائعًا!” فقال:”ربما“. 

يعلق الفيلسوف ( ألن واتس ) على هذه القصة قائلا: إن الطبيعة برمتها هي عملية متكاملة ذات تعقيد هائل ومن المستحيل حقًا معرفة ما إذا كان الشيء الذي يحدث فيها جيدًا أم سيئًا. لأنك لا تعرف أبدًا ما ستكون عواقب المحنة. أو أنك لا تعرف أبدًا ما ستكون عواقب الحظ السعيد. يقول ( إيكارت تولي )، “هل تدرك حقا ما هو سلبي أو إيجابي؟ هل بإمكانك أن ترى الصورة كاملة حقا؟ … عندما يحدث لك أي شيء سلبي، هناك درس عميق متخف في داخله، على الرغم من عدم تمكنك من رؤيته في حينه. حتى المرض القصير أو حادث قد يريك ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي في حياتك، ما يهم حقا وما لا يهم”. 

القاعدة الخامسة

القاعدة الخامسة: بالإمكان التأثير على المشاعر بشكل غير مباشر باستخدام السلوك

هذه القاعدة هي سر التعامل مع المشاعر السلبية والمزاج الحادة والأفكار الداكنة. يمكنك استخدام سلوكك لتوليد المشاعر المرغوبة وتقليل المشاعر غير المرغوبة. في العادة، نحن نشعر بشعور معين (سعادة، حزن، غضب) وبعد هذا الشعور نجد أنفسنا في حالة استعداد لسلوك معين. عندما نشعر بالسعادة نبدأ في العمل، عندما نشعر بالحزن ننطوي على أنفسنا، عندما نشعر بالغضب ندخل في مشاجرة. الخطوة الأولى هي الشعور والخطوة الثانية التي تتبعها هي السلوك. 

القاعدة الخامسة تنص أنك يجب أن تعكس هاتين الخطوتين. ابدأ بالسلوك وستفاجأ أن الشعور يتبعه. مثلا، عندما تستيقظ الصباح وأنت تشعر بالكسل لا تحاول أن تغيّر شعورك. لا تحاول أن تجبر نفسك على الشعور بالحماس. كل المطلوب منك هو أن تتجه لدولاب الملابس وترتدي الزي والحذاء الرياضي وستفاجئ بأن الرغبة في التمرين ستبدأ في الدب في نفسك. 

أحيانا تكون أحداث الصباح بالنسبة لي حافلة لدرجة أني بعد الظهر أشعر أن ذهني تبعثر وأفكاري متناثرة ولا أستطيع التركيز على أي مهمة تتطلب مجهود ذهني عالي. في هذه الحالة أحرص ألا أركّز انتباهي على الفوضى في ذهني التي لا أستطيع أن أغيّر فيها شيء، وأحاول عوضا أن أوجّه كل تركيزي على جسدي. أبدأ أتحرك وأتحدث بهدوء، بل ببطء، وتدريجيا أشعر ان ذهني يبدأ يتبع جسدي ويهدئ بدوره. السلوك الهادئ أوجد حالة الشعور الهادئة. 

مثال اخر مختلف، مرة دخلت في نقاش مع سيدة ترغب بإنقاص وزنها. لم يجد معها أي حل قدمته لها. مشكلتها الحقيقية لم تكن ان الاقتراحات غير فعالة، المشكلة الحقيقية التي كانت تعيقها هي أن تركيزها كان منصب على مشاعرها السيئة بسبب زيادة وزنها. ما حدث كان أنها قررت أن لن تبدأ الحمية لأنها تشعر بالإحباط من وزنها وترغب بالشعور بالدافعية والحماس للبدء. الحل يبدأ من إعادة توجيه التركيز من المشاعر للسلوك. إذا التزمت بالحمية، وبدأت تحرز تقدم، سوف تتغير هذه المشاعر السلبية المرتبطة بزيادة الوزن إلى حماس ودافعية. الحماس لا يؤدي إلي الالتزام بالحمية، ولكن الالتزام بالحمية يؤدي للحماس لمواصلة الحمية. 

يقول ( ديفيد رونالد ) أن عدد كبير من حالات الاكتئاب سلوكية أكثر منها ذهنية. بمعنى أن سلوك المرضى اليومي يخلق حالة الاكتئاب ولعلاجه يجب تغيير سلوكهم وليس أفكارهم. مثلا، يمكن أن يحدث الاكتئاب من خلال الجلوس الطويل على الكرسي، بأكتاف منحنية، ورأس يتدلى للأسفل، ثم ترديد جمل مثل التالية مرارًا وتكرارًا: “لا يوجد شيء يمكن لأي شخص فعله. لا أحد يمكن أن يساعدني. أنا حالة ميؤوس منها. أنا عاجز. أستسلم”. باختصار، تصرف كمكتئب وسوف تجد أن شعور الاكتئاب يتولد من تلقاء نفسه.  

أي شخص يجلس على كرسي للعمل لفترة طويلة سيلاحظ تأثير طول الجلوس على مزاجه بشكل سلبي. بينما المشي السريع والتنس والركض تحسن كثيرا من الحالة المزاجية. الموسيقى المبهجة، الألوان الزاهية، التفاعل مع الأصدقاء، المناظر الطبيعية، بل وحتى الملابس الجديدة تساهم في إحداث تغيير في الحالة النفسية. كل هذه أمثلة على مشاعر تتولد من السلوك. بمجرد أن تبدأ النشاط ستلاحظ تحسن نفسي، لكن لا تنتظر التحسن نفسي كي تبدأ النشاط. 

فن الحياة

من المرجح أنك سوف تجرب القواعد الخمسة بجدية بعد أن تكتشف أن كل الافكار والمقترحات الأخرى غير مجدية ولم تنجح معك. إذا قمت بتطبيق هذه الأفكار في حياتك ستجد أنها فعالة. التركيز على السلوك هو أهم سمة من سمات طريقة ( الحياة البناءة ). الهدف النهائي للحياة البناءة هو مساعدتك على تنفيذ كل شيء بشكل حسن وبتركيز كامل. كلما طورت مهارتك في القيام بكل شيء بشكل حسن وبتركيز كامل كلما زاد رضاك ​​وثقتك في حياتك.

يتصارع الناس مع أنفسهم بطريقة مرهقة وغير منتجة بسبب عدم إدراكهم للمبادئ الخمسة للمشاعر. عندما تسيطر مشاعرك على سلوكك فذلك سوف يؤدي إلى تدهور وظيفي، علاقات متهتكة، وضعف احترام الذات، وتردي الحالة الصحية. ولكن عندما يسيطر سلوكك على مشاعرك ستزيد فرصتك في خلق ذات يمكنك أن تفخر بها. 

نحن مسؤولون عما نفعله بغض النظر عما نشعر به في حينها. كم مرة سمعت أشخاص يستخدمون مشاعرهم كذريعة لتصرفات غير مسؤولة؟ بالنسبة للكثير من الناس، فإنه من الأسهل الاستسلام والسماح لمشاعرهم بالتحكم في سلوكهم، لكن بغض النظر عن مشاعرنا يمكننا التحكم في تصرفاتنا.

قدرتنا على إدارة سلوكنا بالتحديد هي التي تفتح الباب لحياة مفعمة بثراء المشاعر. المسؤولية السلوكية تمنحك الإمكانية للشعور بعمق. الفكرة هنا هي أنه يمكننا استخدام السلوك بطريقة منطقية لإحداث الحالة المزاجية المرغوبة. 

لا يسمح السلوك البناء فقط بتحسين الحالة المزاجية بل يمكن استخدامه لتوليد أنواع عديدة من المشاعر. مثلا، يمكنك أن تخلق شعورًا بالنشوة من خلال الرقص والجري والرياضة والاستماع إلى أنواع معينة من الموسيقى ومشاهدة الألوان البراقة والتحدث مع صديق حاد الذكاء. يمكنك أيضا توليد حالة ذهنية أكثر هدوءًا وسلامًا من خلال الجلوس بهدوء، وإيقاف تشغيل أي مصدر للأصوات، خفض الأضواء، والتأمل مع شرب كوب من الشاي بالنعناع.

6 تعليقات
3 FacebookTwitterEmail

الثقة المفرطة

بواسطة سعود العمر

( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي )

سورة القصص آية ٧٨

عقل الإنسان عبارة عن ألة ثقة مفرطة. يعزو لنفسه نتائج لا فضل له فيها على غرار قارون عندما قال لقومه ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ) بعدما سألوه أن يحسن كما أحسن الله إليه. يفسّر بروفسور علم النفس في جامعة هارفارد ( دانيل قلبرت ) ظاهرة الثقة المفرطة بأن لدينا جهاز مناعة نفسي قوي يضخم المعلومات التي تؤكد صفاتنا الجيدة ويتجاهل أي معلومة تشكك في قدراتنا. 

صورة لما يعتقد أنه قصر قارون في محافظة الفيوم جنوب غرب مصر

تأمل معي الإحصائيات والملاحظات التالية التي ذكرها ( ديفيد بروكس ) في كتابه ( المخلوق الاجتماعي ):

٩٠٪؜ من سائقي السيارات على قناعة تامة بأن قدراتهم خلف المقود فوق المتوسطة.

٩٤٪؜ من أعضاء هيئة التدريس واثقون بأن قدراتهم التدريسية فوق المتوسط.

٩٠٪؜ من رواد الأعمال على ثقة أن مشارعيهم سوف تنجح.

٨٩٪؜ من طلاب الثانوية ممن خضعوا لاختبار القدرات الجامعية واثقون بأن قدراتهم القيادية متوسطة أو فوق المتوسطة.

وضّح استبيان أن طلاب الجامعات يبالغون جدا في تقدير فرصتهم في الحصول على وظيفة بمرتب عالي، السفر للخارج، أو ( أسف للأخبار السيئة ) البقاء متزوجين لفترة طويلة.

عند التسوق، يختار المتسوقون ذوي الأعمار المتوسطة ملابس أضيق من مقاسهم أملين أنهم سيخسرون بعض الكيلوجرامات في المستقبل، رغم أن في سنهم يحدث العكس عادة. 

الناس يبالغون في تقدير سلوكهم الإيجابي. يشتركون في الأندية ظنا منهم أنهم سوف يلتزمون وفي الغالب هذا لا يحدث. إلى درجة أن الشركات التي تقدم منتجات باشتراكات شهرية ( مثل نتفليكس ) تسمي الحساب النشط  والذي لا يستخدم ( اشتراك النادي الرياضي ).

الأشخاص يبالغون في تقدير كيف سيتصرفون في المواقف الصعبة. مثلا، في دراسة في جامعة بنسلفانيا أكد نصف الطلاب أنهم سيتصرفون بحزم لو تعرضوا لتعليق جنسي. بعدما رتب الباحثين حدوث ذلك فقط ١٦٪؜ من الطلاب نطقوا بكلمة. 

الأفراد يبالغون أيضا في تقدير معرفتهم. وزع باحثين استبانات على مدراء تنفيذين في مجالات مختلفة لقياس مدى معرفاتهم في مجالاتهم. والنتائج كانت كالتالي:

في مجال الإعلانات، المدراء التنفيذين كانوا واثقين من صحة ٩٠٪؜ من إجاباتهم، بينما في الحقيقة ٦١٪؜ من إجاباتهم كانت خطأ. 

في مجال التقنية، المدراء التنفيذين كانوا متأكدين من صحة ٩٥٪؜ من الإجابات لكن ٨٠٪؜ من إجاباتهم كانت خطأ. 

النتيجة النهائية، وزع الباحثين استبانتهم على ألفين مدير تنفيذي وكان نسبة الذين بالغوا في تقدير معرفتهم … هل أنت جاهز؟ … ٩٩٪؜.

في تجربة أخرى، ذكر الباحثين لعينتهم من المشاركين أن درجتهم في اختبار الذكاء كانت منخفضة. ماذا تتوقع كانت ردة فعل المشاركين؟ خصوصا وأن الثقة الزائدة هي سمة عقل الإنسان؟ بدأوا بعدها يبحثون ويقرأون عن عيوب وضعف اختبارات الذكاء. 

الحقيقة الصادمة أن نتائج الدراسات تشير إلى أن الثقة بالنفس غير مرتبطة بالقدرات. الأفراد ذوي القدرات المنخفضة يبالغون في تقدير قدراتهم. ليس فقط بشكل عام، بل حتى في قدراتهم اللغوية، والمنطقية، وحتى الفكاهية. ليس فقط يبالغون في تقدير قدراتهم بل يعيشون في حالة نكران تام لضعف قدراتهم وحاجتهم للتطوير.

“ما يتمناه المرء، سوف يؤمن به أيضاً”

ديموسثينيس

المجتمع يدفعك للإفراط في الثقة 

الثقة لا تتضخم نتيجة خلل في تفكير الفرد فقط، بل نتيجة خلل في المجتمع أيضا. المجتمع يعزز ويحفز ويدفع الفرد لأن يبالغ في ثقته في نفسه. يوضح عالم النفس الحائز على جائزة نوبل ( دانيال كانمان ) في كتابه ( التفكير السريع والبطيء ) هذه الظاهرة مستخدما الأطباء كمثال قائلا:

“بشكل عام ، يعتبر من الضعف والهشاشة ظهور الأطباء بمظهر غير الواثق من نفسه. يتم تقدير ثقتهم بأنفسهم أكثر بكثير من ترددهم وعدم تيقنهم، وهناك لوم سائد ضد كشفهم لأي حالة من عدم التأكد للمرضى. بشكل عام ، يعتبر ظهور الأطباء غير واثقين نقطة ضعف ودلالة على الهشاشة.”

يواصل ( كانمان ): “التقدير المنصف لحالة عدم التيقن هو حجر الزاوية للعقلانية – ولكن هذا ما لا يريده الناس ولا المنظمات في الوقت الحالي. عندما تكون الظروف صعبة وخطيرة، فمن غير المقبول إظهار التردد أو الشك، واعتراف المرء بأن رأيه مجرد تخمين أمر مرفوض تماما. نتيجة لذلك يتظاهر المسؤولون بالمعرفة ويتصرفون بناء على ذلك، وهذه الطريقة المختلة مفضّلة ومرغوبة.”

عندما يتعقل المرء ويحاول أن يزن الأمور بالطريقة الصحيحة، ويتردد ويرتاب بشكل عقلاني كي لا يرتكب فادحة، فإن المجتمع يعاقبه على ذلك. يؤكد ( كانمان ) على ذلك بقوله: الخبراء العقلانيين الذين يدركون مواطن معرفتهم وجهلهم يتم استبدالهم بأشخاص ممن يغالون في ثقتهم بأنفسهم ، والذين عادة يكسبون ثقة الآخرين.

كيف نتعامل مع الثقة المفرطة

يقدّم ( بيتر بيفلين ) نصيحة ذهبية للتعامل مع الثقة المفرطة في المؤسسات وعند الأفراد. يقول في كتابه ( البحث عن الحكمة ) أنه من المهم أن نعيد هيكلة بيئات العمل والمؤسسات الاجتماعية بشكل يسمح بالشك، والتردد، وإعادة التفكير. الشكل الحالي لمعظم المؤسسات يكافئ صانعي القرار الذي يظهرون أعلى درجة من الثقة، وليس أعلى درجة من التعقل. الثقة الزائدة تؤدي إلى أهداف وخطط غير واقعية وتجعلنا أكثر عرضة لخيبات الأمل. من المهم أن تركز على الأخطاء الممكن حدوثها وتنظر في عواقب الأمور، ومن الضروري أن تحدد هامش للخطأ في حساباتك وأن تسأل نفسك مرارا وتكرارا: هل أنا على خطأ؟ وما هو هذا الخطأ؟ ومن سوف يدلني عليه؟ وكيف سأتصرف إذا سأت الأمور؟ 

0 تعليق
2 FacebookTwitterEmail

القيمة الثمينة للعقل الفارغ

بواسطة سعود العمر

“عندما يكون عقلك فارغا فإنه يكون مستعدا لأي شيء ومنفتحا لكل شيء. في عقل المبتدئ الكثير من الأفكار بينما في عقل الخبير القليل.”

المعلم والناسك الياباني شونريو سوزوكي

نهاية العالم

في شرق الولايات المتحدة، وعلى الحدود مع كندا، تقع شلالات ( نياجرا ). يبلغ تقريبا ارتفاع كل شلال ٥٠ مترا وعرض أكبرها ٧٩٢ مترا ويتدفق من قممها في كل دقيقة ستة ملايين قدم مكعب من الماء. تستخدم الشلالات لتوليد طاقة كهرومائية هائلة، وتعتبر معلما سياحيا بارزا حيث يزورها حدود ٢٦ مليون زائر سنويا. استغلت مناظرها في تصوير العديد من الأفلام من أشهرها فيلم ( نياجرا ) لمارلين مونروا، والجزء الثاني من سلسلة أفلام سوبرمان في عام ١٩٨٠، كما شكلت مسرحا لإحدى خدع الساحر ( ديفيد كوبرفيلد ) التي تستعصي على الاستيعاب، كما تم توظيفها لتصوير المشهد المذهل الذي جسّد نهاية العالم في الجزء الثاني من سلسلة (قراصنة الكاريبي). 

نهاية العالم المستوحاة من شلالات ( نياجرا ) كما صورها فيلم قراصنة وادي الكاريبي

في الصيف يكون المناخ حولها حارا ورطبا، وفي الشتاء تنخفض درجات الحرارة ويصاحب ذلك تساقط الثلوج، وعلى الرغم من انخفاض درجات الحرارة إلا أن الشلالات تستمر في التدفق. في مرات قليلة في التاريخ انخفضت درجة الحرارة إلى الحد الذي صاحبه حدوث تجمد جزئي للشلالات، لكن في يوم ٢٩ مارس ١٨٤٨ حدثت حالة استثنائية ونادرة، فقد انخفضت درجة الحرارة لمستوى غير مسبوق لدرجة أن الشلالات تجمدت كليا والمياه توقفت عن التدفق تماما، حينها انعدم صوت هدير الشلالات لأول مره في التاريخ المسجل. 

شلالات ( نياجرا ) متجمدة

ليلا ونهارا، ولألاف السنين كانت الشلالات تجلجل، ولم تتوقف ولو للحظة واحدة، وفجاءة تجمدت. من المؤكد أن الطيور التي ولدت وعاشت حول الشلالات كانت تسمع هديرها في كل لحظة من لحظات حياتها. منذ اللحظة التي يفتحون عيونهم نهارا وحتى اللحظة التي يغلقونها ليلا وهدير الشلالات يلجلج مسامعهم. لا بد أنهم كانوا يظنون أن صوت هدير الشلالات جزء حتميا من الوجود، وخلفية أساسية لكل الأصوات التي يسمعونها. تخيل دهشتهم عندما توقفت الشلالات وتخيل شعورهم وهم لأول مره في حياتهم القصيرة يلتقون حالة السكون. 

الشلال الذهني

مشكلة الإنسان المعاصر أن هناك شلال ذهني في رأسه، شلال من الأفكار لا يتوقف عن الهدير ولو للحظة واحدة، ومثل هدير شلالات نياجرا بالنسبة للطيور، يلجلج صوت الشلال الذهني في رأس الإنسان طوال الوقت إلى درجة أنه صار يعتقد أنه جزء حتميا من الوجود وجزء أساسيا في طريقة عمل ذهنه. حتى نفهم ونستوعب حقيقة هذا الشلال الذهني وحتى نعالجه بشكل دقيق نحتاج أن نعرف في البداية قصة اكتشافه. 

غداء الأساتذة

في حدود ١٩٢٠ وبالقرب من جامعة برلين، توجّه مجموعة من الأساتذة الجامعيين لتناول الغداء في أحد المطاعم. عقب جلوسهم على الطاولة حضر النادل وبدا يستمع لطلبات كل واحد منهم ويهز رأسه من دون أن يكتب شيئا. بعد دقائق أحضر النادل لكل واحد طلبه بدقة ومن دون أي خطأ مما أثار إعجابهم. 

بعد أن انتهوا من غدائهم، غادروا المطعم، لكن أحدهم اكتشف أنه نسي غرض له، عاد بسرعة للمطعم، وبدا يبحث عن النادل ذو الذاكرة الحديدية لمساعدته في العثور على ما نسيه. وجد النادل واستفسر منه، لكن النادل نظر للأستاذ بعينين فارغتين، لم يستطع النادل أن يتذكره ناهيك أن يتذكر طاولته. استغرب الأستاذ وسأله كيف نساه بهذه السرعة وهو الذي كان يستطيع تذكر كل تفاصيل الطلب دون أن يكتب شيئا. أجابه النادل بأنه يحفظ كل طلب حتى يتم تقديمه، بعد ذلك ينساه تماما. 

تأثير ( زيغارنك )

من ضمن الأساتذة كانت العالمة السوفيتية ( بلوما زيغارنيك ) التي استحوذت هذه الحادثة علي تفكيرها، وبدأت تتساءل إن كانت تحمل دلالة أكبر على طريقة عمل عقل الإنسان وذاكرته. كان جلي من هذا الموقف أن ذاكرتنا تتعامل بشكل مختلف بين المهام ( المنجزة ) والمهام ( غير المنجزة ). بدأت ( زيغارنيك ) بإجراء بعض التجارب، كانت تسند مهام لبعض الاشخاص، مثلا تطلب منهم تركيب أحجية صور مقطعة، ثم تقوم عن عمد بمقاطعتهم لترى تأثير مقاطعة إكمال المهمة على العقل. 

من هذه التجارب توصلت لما سمته بـ ( تأثير زيغارنك ). تأثير ( زيغارنك ) ينص أن العقل يعمد باستمرار لتذكيرك بالمهام والأهداف غير المنجزة، وبمجرد أن تنجزها يتوقف العقل عن تذكيرك بها. 

لنوضح فكرة تأثير ( زيغارنك ) بمثال بسيط. قم بتشغيل أغنية، وفي منتصف الأغنية أوقفها وانتظر لدقائق، ماذا تتوقع سوف يحدث؟ في الغالب، ستقوم بشكل لا إرادي بدندنة الأغنية بينك وبين نفسك. تفسير هذه الدندنة أن الاستماع للأغنية بالنسبة للعقل يعتبر مهمة لم تكتمل، لذلك يقوم تلقائيا بتذكيرك بها. عملية التذكير هذه لا إرادية ولا سلطة لعقلك الواعي عليها. 

كم مره خطرت أغنية رديئة على بالك ووجدت نفسك تدندها وتمنيت لو نسيتها؟ قد تكون منهمكا حتى أذنيك في عمل ما وفجاءة ومن دون سابق إنذار تجد نفسك تدندن: “وحركب الحنطور .. واتحنطر .. ترجن ترجن”.  السبب على الأرجح، أنك كنت تشاهد التلفزيون، أو تسمع الراديو، وبعد بدأ بث الأغنية بقليل قمت بتغيير القناة، وبالتالي اعتبرها ذهنك مهمة غير منجزة وبدء بتذكيرك بها بشكل مزعج. عندما أواجه هذه المشكلة لا أعرف حلا سوي أن أفتح ( اليوتيوب ) وأجبر نفسي على الاستماع للأغنية كاملة وبعدها يعتبرها عقلي ( مهمة منجزة ) وينساها.

ما يحدث لك أثناء الاستماع للأغنية قسه علي أي مهمة غير منجزة في عالمك. على سبيل المثال، هل سبق وأن كان لديك اختبار وأجلت البدء في الاستعداد له من أجل لقاء مع أصدقائك وأثناء الاجتماع بهم وجدت نفسك بشكل قسري تفكر في الاختبار؟ هذا بالضبط تأثير ( زيغارنك ) المزعج. 

الأن أريدك أن تحاول أن تستحضر كل أهدافك وكل المهام المطلوبة منك. كل شيء على الإطلاق. ابتداء بما تعتبره أهم شيء في حياتك وانتهاء بأقلها أهمية. كل أهدافك العظيمة التي لم تحققها بعد وكل مهامك الصغيرة التي لم تنجزها حتى الآن. الحقيقة الصادمة هي أن عقلك بشكل واعي وغير واعي يذكرك ويزعجك بلا كلل وبلا ملل بها كلها. مواصلة الدراسة، بدء مشروع تجاري، تسديد الفاتورة، كتابة تقرير، لقاء زملاء العمل نهاية الاسبوع، موعد طبيب الاسنان، حنفية المطبخ التي لا تعمل، موعد تغيير زيت السيارة. كلها، دون استثناء، يذكرك عقلك بها، دائما وأبدا. هذا التذكير المزعج شديد الشبه بصوت المِثْقَب (الدريل) في الجدار. صوت صاخب ومزعج ومتواصل، لكنك في الغالب ألفته وتقبلت التعايش معه لدرجة أنك لم تعد تنتبه لوجوده. 

هل تشعر بعمق المشكلة؟

 الأنسان الطبيعي صار مثل الطيور عند شلالات نياجرا، تعود على هدير عقله الدائم ولم يعد يستطيع أن يتخيل الحياة بدونه. هذا الازعاج العقلي يقلل بشكل كبير من جودة الحياة. هذا الصخب الذهني الدائم يقلل، إن لم يكن يقتل، الاستمتاع بأي لحظة. عندما يجلس الفرد مع عائلته في المنزل يفكر بالعمل ومهامه المتراكمة، وعندما يذهب للعمل يفكر بعائلته وأعمال المنزل غير المنجزة، عندما يخرج مع أصدقائه يفكر بمشروعه التجاري الذي لم يبدأه، وعندما يسافر في رحلة استجمام ينشغل ذهنه بترقيته المتأخرة، وعندما تغرب الشمس أمامه بكل جلال وسحر تتفاجأ بأن كل ما يشغله تفكيره هو موعد تجديد رخصة القيادة. 

قد ينغمس ويستغرق الأنسان في هذه الثرثرة الذهنية حتى يصل لمرحلة يفقد فيها اتصاله بالواقع، يصبح نائما وهو مستيقظ، يصبح مثل الموتى الأحياء ( الزومبي ). يقول ( ليوناردو دا فينشي )، “الإنسان الطبيعي ينظر ولا يرى، يسمع ولا يستمع، يلمس ولا يشعر، يأكل ولا يتذوق، يتحرك من دون إدراك، يستنشق ولا يشم الرائحة، ويتحدث دون تفكير.”

هل هناك طريقة لأيقاف هذا الشلال العقلي الأهوج؟ هل من طريقة لتحقيق السكون الذهني؟

نعم، وهي أبسط مما تتخيل.

“الإنسان الطبيعي ينظر ولا يرى، يسمع ولا يستمع، يلمس ولا يشعر، يأكل ولا يتذوق، يتحرك من دون إدراك، يستنشق ولا يشم الرائحة، ويتحدث دون تفكير”.

ليوناردو دا فينشي

التخطيط

هناك تفسيران لظاهرة ( زيغارنك ). التفسير الأول هو أن عقلك يريدك أن تحقق أهدافك لذا يذكرك بها حتى تحققها. بالتالي، المخرج الوحيد من الإزعاج العقلي هو تحقيق الأهداف. التفسير الثاني هو أن العقل الباطن يطلب المساعدة من العقل الواعي كطفل يتعلق بطرف كم أمه، وأسهل طريقة لمساعدته هي بالتخطيط لإنجاز المهمة بشكل يجعل العقل الباطن يثق أن العقل الواعي سوف ينجزها. حينها يتوقف الضجيج العقلي. 

لنعد لمثال الاختبار، تخيل أنك خططت لمذاكرة الاختبار بشكل دقيق. لنفترض أن منهج الاختبار يتكون من خمسة فصول ومتبقي على الاختبار أسبوعا. خططت أن تدرس كل يوم فصلا، وفي اليوم السادس ستعيد مذاكرة كل الفصول، واليوم السابع ستجعله يوم احتياطي في حال لم تتمكن من الدراسة في أحد الأيام. بعدها جمعت كل الأوراق والكتب التي تحتاجها ووضعتها في حقيبة كي تكون جاهزة، ثم حددت أحد الأماكن الهادئة القريبة منك للدراسة، وأخيرا وضعت منبه في هاتفك الجوال من أجل تذكيرك بموعد الخروج للدراسة. بعد أن انتهيت من التخطيط للاختبار خرجت في المساء مع أصدقائك. في هذه الحالة وبعد التخطيط لن يزعجك عقلك الباطن بتذكيرك بالاختبار أبدا، لأنه صار واثقا من أنك ستنجزه. 

خلاصة القول، العقل الباطن لا يذكرك بالمهمة من أجل إنجازها بل من أجل التخطيط لها. بمجرد أن تحدد الوقت، والمكان، والمصادر، والوسيلة التي ستذكرك بالبدء، سيثق عقلك الباطن أن زمام الأمور صارت في قبضتك وسيتركك لتستمع بوقتك. 

مستعد لأي شيء مع تطبيق Braintoss

تذكر أن عقلك الباطن لا يفرّق بين هدف كبير وهدف صغير. سيقض مضجعك بتذكيرك بالبدء بمشروعك الضخم كما سيقلق راحتك بتذكيرك بشراء كيس الخبز. لذلك من المهم أن تكون دائما مستعدا له، وبمجرد أن يبدئ عقلك بتذكيرك بأي شيء لا بد أن تخرسه فوراً. 

الحل هو أن تستخدم تطبيق لتسجيل أي فكرة تخطر على بالك. إذا سجلت الفكرة ووضعتها في مكان تثق أنك ستطلع عليه في الوقت المناسب وتخططه بشكل جيد سيتوقف عقلك عن تذكيرك بها. 

هناك تطبيقات كثيرة جيدة بإمكانك استخدامها لتسجيل الأفكار. شخصيا، قبل اختياري للتطبيق الذي استخدمه وضعت شرطين لا ثالث لهما: الشرط الأول: يجب أن يمكنني التطبيق من تسجيل الفكرة بسرعة وفي نقرتين فقط، والنقرة الأولى ستكون نقرة فتح التطبيق. أي تطبيق يتطلب مني أكثر من نقرتين لتسجيل الفكرة مرفوض قطعا. الشرط الثاني، يجب أن يسمح التطبيق بتسجيل الفكرة إما كتابة، أو بتسجيل الصوت، أو بالتقاط صوره. أثناء القيادة تخطر لي افكار كثيرة ولا استطيع أن أكتب، لذلك أحتاج التسجيل الصوتي. بالنسبة للصور فهي مفيدة لتصوير الإعلانات أو أغلفة الكتب أو المنتجات التي احتاج تذكرها. 

التطبيق الذي وقع اختياري عليه كان ( Braintoss )، وهو تطبيق بقيمة ٢٫٩٩$ متوفر على متجر أبل والاندرويد وعلى متجر ساعة أبل. واجهة التطبيق بسيطة كالتالي: 

هناك ثلاث خيارات فقط: تسجيل صوت، كتابة نص، التقاط صورة. تختار الخيار الذي تريد ثم تسجل فكرتك وبعدها يرسلها التطبيق على بريدك الالكتروني. فقط، هذه هي كل الحكاية. لاحقا، بإمكانك أن تخطط وترتب أفكارك بشكل دقيق. إذا لم تكن ترغب بأن يمتلئ بريدك بهذه الرسائل بإمكانك إرسالها لبرامج إدارة المهام ( مثلا: Todoist, Things, OmniFocus ). معظم برامج إدارة المهام توفر بريد خاص لها بحيث يمكنك الإرسال له ثم تضاف الرسالة تلقائيا كمهمة جديدة في البرنامج. 

تطبيق ( Braintoss ) على ( ساعة آبل ) عملي للغاية. عندما أمارس المشي مثلا وتخطر لي فكرة وأقرر تسجيلها فكل المطلوب هو أن أرفع رسغي ثم أضغط زر التطبيق الموجود على وجه الساعة ثم أبدأ فورا بتسجيل الفكرة صوتيا. بعد أجزاء من الثانية تكون الفكرة بانتظاري في صندوق البريد الإلكتروني.

السكينة

من أشد الضلالات التي قد تسيطر على عقل الإنسان هي أن النتائج العظيمة تستلزم أفعالا عظيمة. غالبا، النتائج العظيمة تتحصل من أعمال صغيرة نقوم بها بشكل متكرر في المكان والوقت المناسبين. فكرة ( تأثير زيغارنك ) فكرة بسيطة وتطبيق ( Braintoss ) تطبيق صغير، لكن ثق أنك قادر أن ترفع من مستوى وعيك من خلالها. إذا استخدمتها بشكل فعال، بإمكانك الانتقال من حالة الانغماس في الثرثرة الذهنية لحالة الحضور الذهني، بإمكانك الاستمتاع وتقدير وعيش كل لحظة، وبإمكانك إيجاد فسحة من السكون العقلي. يقول المعلم الهندي أوشو: “السكينة هي المساحة التي يستيقظ من خلالها الإنسان، والعقل الثرثار هو المساحة التي ينام فيها. إذا كان عقلك يثرثر بشكل متواصل فثق أنك نائم”.

“السكينة هي المساحة التي يستيقظ من خلالها الإنسان، والعقل الثرثار هو المساحة التي ينام فيها. إذا كان عقلك يثرثر بشكل متواصل فثق أنك نائم.”

المعلم الهندي أوشو

0 تعليق
5 FacebookTwitterEmail

التفكير داخل الصندوق

بواسطة سعود العمر

“قبل أن تحاول أن تبدع وتفكر خارج الصندوق، عليك أن تتعلم كيف تفكر داخل الصندوق”

تويلا ثارب

قبل عدة أشهر نشر المؤلف الأمريكي روبرت غرين على تويتر الصورة التالية للطريقة التي يكتب بها كتابه القادم:

غرين مؤلف أمريكي اشتهر بكتبه التي تتناول مواضيع النفوذ والاستراتيجيات. نشر حتى الآن ستة كتب، كلها تصدرت قوائم الأكثر مبيعاً، أشهرها كتاب ٤٨ قانونا للقوة. في لقاء معه على موقع ريدت، فصّل أكثر في توضيح طريقته في الكتابة، قائلا: “عادة، أبدأ بقراءة الكتب بدقة شديدة، وأحرص أن أكتب ملاحظاتي على الهوامش. بعد عدة أسابيع أعود للكتاب وأبدأ بنقل خربشاتي من على الهامش إلى بطاقات ملاحظات ملونة، كل لون يشكّل موضوعا معين. بعد قراءة درازن متعددة من الكتب، يتكون لدي حدود ٣٠٠ بطاقة من الملاحظات، ومن هذه البطاقات أبدأ أرى أنماطا وموضوعات تتكتل في فصول محددة.  أستطيع  أن اتنقل بين البطاقات وأن أعيد ترتيبها كما أشاء. لأسباب عديدة أجد هذه الطريقة في الكتابة جبارة.” 

في التدوينة السابقة تحدثت عن القراءة النشطة المبدعة، وتطرقت إلى الكتابة على الهوامش وكيف نستطيع أن تستخدمها مع الكتب الإلكترونية والمقالات على الانترنت. 

اجتهاد ومواظبة المؤلف مثيرة للإعجاب، كذلك كمية الكتب التي يقرأها للإعداد للتأليف مهولة، حتى طريقة الكتابة غير التقليدية التي تبدأ تقريبا من لا شيء حتى تصل للكتاب مكتملا مدهشة، لكن الجزء الأكثر سحرا وخلبا للألباب ليس أيا من ذلك ..

الجزء الأكثر إثارة للدهشة في الحقيقة هو أبسط شيء ظاهر في الصورة ..

هل عرفته؟

نعم، إنه الصندوق.

ما هو الصندوق؟

تعرّف ( تويلا ثارب ) الصندوق بأنه “وعاء يحتوي كل ما يلهمك دون أن يحد من إبداعك”. الصندوق طريقة لتنظيم أفكارك ومصادرك. أي فكرة تخطر على بالك اكتبها وضعها فيه. أي شيء له علاقة بمشروعك التقطه وضعه داخله: كتب، صور، ملاحظات، خطط، قصاصات جرائد أو مجلات.

رغم أنه مجرد وعاء لكنك تحتاج أن تنظم محتوياته وتستخدمه بطريقة تساعدك على الإنجاز والابتكار. إذا نظّمته بشكل جيد ستجد أنه طريقة فعالة لتنفيذ أفكارك وتحقيق مشاريعك.  المقصود بـ ( المشروع ) هنا أي شيء  يهمك، صغيرا كان أم كبيرا، مثلا: كتابة رسالة ماجستير، تخطيط رحلة، إعادة تصميم المطبخ … أي شيء.

في باقي هذه التدوينة سأبدأ بتوضيح القيمة والفائدة الحقيقية للصندوق، ثم سأشرح بعض المحتويات الأساسية التي يجب أن تضيفها له، بعد ذلك سأوضح خطوات بناءه واستخدامه في عملك، وأخيرا سأقترح طريقة لتصميم الصندوق على الحاسب ( الماك تحديدا ) بحيث تتمكن من إضافة الملفات الإلكترونية له. 

القيمة الحقيقية للصندوق

أي عمل إبداعي يحتاج نقطة بداية. وأفضل نقطة بداية هي أن تخصص له صندوقا. 

الصندوق وسيلة لراحة البال. عندما تجد أي شيء له علاقة بمشروعك لا يجب أن تفكر وتحتار أين تضعه، ضعه مباشرة فيه. هل في منزلك مكان مخصص تضع فيه المفاتيح دائما كي توفر على نفسك عناء تضييعها؟ صندوقنا بشبه حافظة المفاتيح، لكن بدل أن نضعه فيه المفاتيح سنضع داخله كل ما له علاقة بمشروعك.

 الصندوق يشكّل أيضا نقطة ارتكاز. عندما يتقدم ويتطور عملك، تعود للصندوق وتضيف له ما وجدته، وعندما تصطدم أفكارك بجدار تعود للصندوق وتفتش داخله عما يمكن أن يساعدك. مع مرور الوقت ستجد أن الصندوق أصبح خلاطة أفكار سحرية. 

الصندوق أداة تذكير، ففي كل مره تركن أحلامك جانبا لمدة طويلة سيذكرك الصندوق بها. 

الصندوق أداة التزام، فبمجرد جلبك له وكتابة اسم المشروع عليه فهذا بمثابة صافرة إعلان انطلاق الرحلة. 

الصندوق أداة اتصال، عندما تفقد شغفك بمطاردة هدفك افتحه وجرب أن تعيد ترتيب محتوياته، ستجد أنك في نفس الوقت تعيد ترتيب أفكارك ومشاعرك معها. 

باختصار الصندوق هو المرساة التي تلقي بها سفينتك على شواطئ طموحاتك.

ماذا تضع داخل الصندوق؟

لا يوجد قواعد وقوانين. ضع أي شيء تظن أنك ستحتاجه. 

من تجارب عديدة وجدت أن هناك خمسة عناصر يحتاجها أي عمل إبداعي كي يتقدم بسرعة. قبل أن تبدأ رحلة عملك الإبداعي اقترح أن تتوقف هنيهة وتكرّس بعض الوقت لجمعها وترتيبها ثم إضافتها للصندوق.  العناصر هي كالتالي: هدف المشروع، مهام المشروع، مذكرة المشروع، مصادر المشروع، وملهمات المشروع. 

تذكر المقصود بـ ( المشروع ) هو أي هدف لديك، سواء شخصي أو مهني، كبير كان أم صغير.  

لنوضح كل عنصر على حدة: 

١- الهدف

 ما لذي تريد تحقيقه بالضبط؟ اكتبه بكلمات قليلة وواضحة. أثناء انغماسنا في العمل الإبداعي من السهل أن ننسى الغاية منه. التذكير بالهدف مفيد لإعادة ضبط البوصلة للسير في الاتجاه الصحيح، كما أنه مفيد للتحفيز وزيادة الحماس عند الخمول. 

هناك قاعدة بسيطة في كتابة الأهداف: كلما زادت إمكانية تحقيق الهدف كلما زاد حماسك لتحقيقه. بمعنى أنك لو وضعت هدفا سهلا ففي الغالب ستجد نفسك متحمسا لإنجازه، ولو وضعت هدفا صعبا فغالبا ستقاوم الرغبة في البدء. في كل مره توسوس لك نفسك الأمارة بالسوء بأن تضع هدفا أضخم وأعقد تذكر مقولة المتصوف الأفغاني إدريس شاه : “إذا بحثت عن الأشياء الصغيرة ونفذتها بإتقان فإن الأشياء العظيمة سوف تبحث عنك وستطلب منك القيام بها”. 

“إذا بحثت عن الأشياء الصغيرة ونفذتها بإتقان فإن الأشياء العظيمة سوف تبحث عنك وستطلب منك القيام بها”. 

إدريس شاه

 ٢ – المهام

 اكتب كل الخطوات التي تحتاجها لإنجاز العمل في قائمة مستقلة. غالبا أنت لن تعرف كل المطلوب منك لإنجاز المشروع بأكمله، لكنك تعرف على وجه التحديد الخطوات الأولى للبدء. اكتبها. 

تذكر هذا التشبيه: في أي رحلة هناك طريقتين للسفر: السفر بالخريطة والسفر بالنظر.  عندما تريد الوصول لمكان بعيد ويكون لديك خريطة – أو تطبيق خرائط قوقل – فأنت تعرف كل الطرق والمنعطفات التي يتوجب عليك القيام بها. عادة في المشاريع الإبداعية لا تتوفر لنا رفاهية السفر بالخرائط. في معظم مشاريعك سوف تسافر بالنظر ومن دون خريطة، ستعرف الخطوات القليلة التي يتوجب عليك القيام بها، وبعدما تقطع بضع كيلومترات، ستضطر أن تتوقف وتجوب المكان بنظرك للبحث عن الاتجاه الصحيح. 

٣ – المصادر

المصادر هي كل المواد التي تظن أنك ستحتاجها لإنجاز مشروعك. هل تحتاج أن تقرأ كتاب؟ ضعه في الصندوق. هل تحتاج بعض الصور؟ أجمعها وضعها في الصندوق. هل وجدت مقالة أو خبر في مجلة أو جريدة تظنها مفيدة؟ قصها وضعها في الصندوق. في زمننا صارت معظم مصادرنا رقمية. سوف نفصّل بعد قليل في كيفية إضافة المصادر الإلكترونية للصندوق. 

٤ – مذكرة

المذكرة تختلف عن المهام وعن المصادر. المهام عبارة عن خطوات محددة يجب عليك القيام بها، والمصادر عبارة عن مواد تحتاج أن تتطلع عليها، بينما المذكرة هي أفكارك وهواجسك ومشاعرك وحدسك المتعلق بمشروعك. في العادة تحوم في ذهنك خواطر حول مشروعك دون فائدة. قد تكون مقلقة (ربما سيفشل مشروعي)، قد تكون محفزة (سوف ينجح نجاحا مدويا)، وقد تكون ملهمة (سيحمل مشروعي رسالة سامية)، لا يهم. المهم أنها تشغل ذهنك وليس هناك شيء محدد يمكنك القيام به ازائها.

من المفيد للغاية أن تضع مع صندوق المشروع مذكرة لتسجيل كل هذه الخواطر. في بداية كل جلسة عمل تفتح المذكرة، تكتب تاريخ اليوم ثم تقوم بعملية تنزيل Download لكل أفكارك ومشاعرك المتعلقة بالمشروع دون أي محاولة للحكم عليها. فقط قم باستخلاصها من وعيك وضعها على الورق. 

هذه الأفكار قد تبدو من الظاهر منخفضة القيمة مقارنة بالهدف والمصادر والمهام، لكن لو جربت ان تكتب مذكرة أي مشروع ستكتشف أنها في الحقيقة قمرة قيادة المشروع. ستتفاجأ بقدر الحكمة والبصيرة التي تتولد من مذكراتك. في كل مره تكتب مذكرات المشروع ستجد أنها ترفعك لمكان شاهق لتعيد النظر للمشروع بأكمله. ستجد أنك تكتشف أبعاد وأعماق جديدة في عملك. من خلال المذكرات سوف تحدد المهام، وتعيد صياغة الهدف، وتبحث عن المصادر بشكل أفضل. 

٥ – ملهماتك

من السهل أن تجد معلومة على قوقل لكن من الصعب أن تجد ما يلهمك. الملهمات أشياء لها قيمة عاطفية ليس في ذاتها لكن بسبب ارتباطا تكوّن بينك وبينها. مثلا، سمعت مره من الطبيب والمدون وصاحب قناة اليوتيوب ( علي أبدل ) أنه يحتفظ بملف فيه كل التعليقات الايجابية على مدونته وقناته في اليوتيوب لإثارة حماسة وتذكيره بالتأثير الإيجابي لإنتاجه على الناس. 

مثال أخر، ذكرت المؤلفة ومصممة الرقصات ( تويلا ثارب ) أنها أثناء أعدادها لأحد عروضها قابلت مستشارا عسكريا. تحدثا طويلا ووضح لها إشارات التخاطب عن بعد التي كان يستخدمها الجنود أثناء النوبات الليلة. الإشارات كانت بسيطة لكن ( تويلا ) قررت إضافتها للعرض لإضفاء عمق وأصالة. بعد انتهاء المقابلة أهداها المستشار قبعته الخضراء. تقول ( تويلا ) عنها: “في كل مره أرى القبعة الخضراء كانت روحي تتجدد وأتذكر أهمية العرض”.  

“في كل مره أرى القبعة الخضراء كانت روحي تتجدد وأتذكر أهمية العرض”.

تويلا ثارب

خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل صندوق: كيف تبني صندوقا لهدفك؟

لنفترض أنك ترغب بنشر رواية عنوانها مستلهم من أغنية القراصنة الخيالية (خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل صندوق) . الأغنية يعرفها محبين رواية ومسلسل أنمي ( جزيرة الكنز ).  ولنفترض أنك قررت أن تبني صندوقا لتنظيم كتابة روايتك. للقيام بذلك اتبع الخطوات التالية: 

الخطوة الأولى: تشتري صندوق، قلم خطاط، أوراق فهرسة، دفتر مذكرات، وتجهز قائمة للمهام.

الخطوة الثانية: تكتب على الصندوق اسم المشروع: “رواية ١٥ رجلا ماتوا من أجل صندوق”.

الخطوة الثالثة: تكتب هدف المشروع على ورقة فهرسة وتضعه في الصندوق، مثلا: “الهدف: نشر رواية عنوانها ١٥ رجلا ماتوا من أجل صندوق”.

الخطوة الرابعة: تفتح أول صفحة في دفتر المذكرات، تكتب تاريخ اليوم، ثم تكتب بدون توقف لمدة ٢٠ دقيقة كل ما يجول في خاطرك. لا تتوقف لتفكر إن كان ما تكتبه مفيدا أم لا، فقط أكتب. لماذا تريد أن تكتب هذه الرواية؟ هل تذكرك بطفولتك؟ كيف سيكون تأثير نشرها عليك؟ هل تظنها ستنجح أم ستفشل؟ هل لديك الوقت الكافي لكتابتها؟ اكتب كل ما يشغل هواجسك. 

الخطوة الخامسة: أكتب مهام المشروع الواضحة لك حاليا في قائمة المهام، مثلا: كتابة الفصل الأول، التواصل مع دار نشر للتوزيع، البحث عن مصمم للغلاف. 

الخطوة السادسة: أجمع كل ما تجده وتظن أن له علاقة بمشروع روايتك وضعه في الصندوق. مثلا، ربما كنت تقرأ جريدة وكان هناك خبر عن قراصنة حقيقين هاجموا سفينة للبضائع، بعد قراءتك للخبر وجدت تفاصيل دقيقة عن عملية السرقة تبدو مفيدة لروايتك، قص الخبر وضعه في الصندوق. 

الخطوة السابعة: أبحث عن أشياء تلهمك لكتابة الرواية وأضفها للصندوق. ربما وجدت مجموعة أدوات قراصنة ملهمة، أو ربما وجدت نسخة خاصة من رواية “جزيرة الكنز”. إذا كانت تلهمك وتحفزك ضعها في الصندوق. 

 الرقص مع الصندوق: كيف تبدع باستخدام الصندوق؟

الأن لنفترض أنك استيقظت باكرا وجلست على مكتبك لكتابة الرواية وبجانبك الصندوق. ستعمل مستخدما الصندوق بالطريقة التالية:

الخطوة الأولى: تفتح الصندوق وتخرج دفتر المذكرات وتكتب فيه حتى يصفى ذهنك.

الخطوة الثانية: تفتح قائمة المهام وتراجع المهام المطلوب منك تنفيذها اليوم. تختار أول واحدة ثم تبدأ. 

الخطوة الثالثة: أثناء الكتابة قد تحتاج أن تطلع على صورة لسفينة القراصنة لتصفها بشكل أفضل، أو تعيد قراءة جزء من مقال كي تتأكد من معلومة في الرواية، أو أي شيء أخر. لا مشكلة. كل شيء تحتاجه موجود داخل الصندوق. لن يقطع حبل أفكارك أو تركيزك شيء. لو لم تجد ما تحتاجه، أبحث عنه لاحقا في مكان أخر، وبمجرد أن تجده وتطلع عليه، أضفه للصندوق. 

الخطوة الرابعة: أثناء الكتابة قد ينضب سيل أفكارك، ماذا تفعل؟ فتش في الصندوق، قد تجد بين الملهمات ما يشعل تفكيرك من جديد. 

الخطوة الخامسة: بعد الانتهاء من جلسة الكتابة أضف للصندوق أي شيء جديد وجدته، حدّث وراجع قائمة المهام، ثم أغلق الصندوق وضعه في مكان آمن.  

الخطوة السادسة: احتفل ولو بشكل بسيط بإنجازك.

كيف تبني الصندوق الكترونيا؟ 

أيا كان عملك، ففي الغالب أنت تقوم به على الحاسب ولا تستطيع استخدام الصندوق بالشكل الملموس. في كتابة الرواية من النادر أن تجد روائيا يكتب على الورق أو يقوم بالبحث في المكتبات الاسمنتية، في الغالب يكتب باستخدام برنامج ( مايكروسوفت ورد )، ويبحث باستخدام ( قوقل )، وأدواته ومصادره رقمية ولا يوجد لديه أي شيء فيزيائي بإمكانه إضافته لصندوق ملموس.

ما لعمل في هذه الحالة؟

أبسط حل لإنشاء صندوقا الكترونيا هو إنشاء مجلد بسيط على حاسبك وتخصصه لمشروعك ثم تضيف عليه كل ملفات مشروعك.  

هذا الاقتراح ينطوي على مشكلتين جذرية: 

١ – المشكلة الاولى أنك  لا تستطيع إضافة كل الملفات التي تحتاجها داخل المجلد. من السهل أن تضيف ملفات من برامج ( مايكروسوفت أوفيس ) لمجلد المشروع لكن كيف تضيف صفحة على الانترنت تود الرجوع إليها؟ كيف تضيف بريد إلكتروني مهم مرتبط بالمشروع؟ لو كنت تستخدم برنامج لإدارة المهام، كيف تضيف المهام من برنامج إدارة المهام للمجلد؟ لا يوجد طريقة سهلة ومباشرة لعمل ذلك.  

٢ – المشكلة الثانية ان المجلد في نظام التشغيل (سواء ماك أو ويندوز) شكله ممل وكئيب، لا يبعث الحماس ولا يحفز على الإبداع. 

في الجزء الثاني من التدوينة سنحاول أن نبني صندوقا الكترونيا لمشاريعنا بحيث يقبل كل أنواع الملفات ويكون مثيرا للبهجة ومحفزا للإبداع.

رحبوا معي بتطبيق Hook

( هوك ) تطبيق على نظام الماك (لا يوجد نسخة على الويندوز  للأسف)، بثلاث نسخ متفاوتة المزايا (مجانية، ٢٠$، ٣٥$)،  له مزايا كثيرة لكن في هذه التدوينة سأركز على ميزة واحدة تهمنا كثيرا: ( هوك ) يسمح لك بإنشاء رابط، مثل روابط المواقع الإلكترونية، لأي ملف على جهازك ومن ثم نسخه واستخدامه بأي شكل تريده للوصول للملف.

لنفترض الأن أنك قمت بتحميل ( هوك ) على جهازك وتنصيبه. كل المطلوب منك لإنشاء رابط لأي ملف علي جهازك ثلاث خطوات فقط:

  1. أختر أي ملف ثم أضغط ( المسافة + ⇧⌘ ). هذا هو الاختصار الوحيد الذي ستحتاج أن تتذكره.

٢. ستظهر لك نافذة برنامج هوك كما في الصورة التالية. بعد ظهور النافذة أضغط اختصار النسخ المعروف (⌘C).

الأن انشئ ملف جديد في أي محرر نصوص ثم أضغط اختصار اللصق المعروف (⌘V).

Et voilà

مبروك، قمت بإنشاء أول رابط لملف. الآن لو ضغطت على الرابط سيفتح الملف مباشرة. 

بإمكانك أن تكرر نفس الطريقة مع كل ملفات مشروعك وتجمع روابطها في ملف واحد كالتالي:

لنعد لسيناريو روايتك التي تكتبها ولنوضح بمثال، تخيل أن لديك التالي:

  1. ملف ( مايكروسوفت ورد ) تكتب عليه الرواية 
  2. صورة لتصميم مقترح لغلاف الرواية
  3. صفحتين على الانترنت تريد استخدامها كمصادر
  4. بريد الكتروني من الناشر بخصوص الموافقة على نشر الرواية
  5. قائمة مهام كتبتها في برنامج لإدارة المهام (مثلا برنامج Things )
  6. مذكرات المشروع مكتوبة على برنامج Pages

باستخدام برنامج Hook بإمكانك جمع كل الملفات التي نحتاجها في مكان واحد وبناء صندوق الكتروني لمشروعك في ملف نصي كما في الصورة:

 هناك ملاحظتين مهمة يجب توضيحها: 

الملاحظة الاولى: بإمكانك إنشاء رابط للعديد من الملفات المختلفة. بما في ذلك الرسائل البريدية، والمهام في بعض برامج إدارة المهام، المجلدات، الصور، للاطلاع  على كامل الملفات المدعومة بإمكانك زيارة هذ الرابط

الملاحظة الثانية: الروابط المستخدمة قوية لدرجة أنك لو غيرت مكان الملف فالرابط لن يختل. يعني، لو أضفت رابط لملف من ملفات مشروعك وهو في مجلد (أ) ثم بعد ذلك نقلت الملف لمجلد (ب) فالرابط لن يتأثر وسيستمر بالعمل. لن يتأثر الرابط حتى لو غيرت اسم الملف الأصلي. رائع، أليس كذلك؟

رغم أن النتيجة جيدة لكن ما يزال هناك مشكلة، بصراحة شكل الروابط وهي مكدسة في ملف نصي ممل حتى النخاع، لذلك سوف نستخدم برامج الخرائط الذهنية مع تطبيق ( هوك ) كي نجعل الصندوق مبهجا ومحفزا للعمل والإبداع. 

رحبوا معي ببرامج الخرائط الذهنية

على الورق، تبدو الخريطة الذهنية مجرد رسم توضيحي لترتيب وربط المعلومات بشكل بصري، كالتالي:

لكن في الحقيقة الخريطة الذهنية أداة للتفكير الشمولي الذي ينشّط تفكير الدماغ بالكامل، ويشرك كلاً من الجانب الأيسر المنطقي والجانب الأيمن الإبداعي.  كي نفهم ( خريطة العقل ) بشكل أعمق نحتاج أن نفهم طريقة عمل العقل نفسه. كل معلومة تصل للعقل (كلمة، رائحة، ملمس، لون) تشكل نقطة مركزية تشع منها آلاف الارتباطات. تسمى طريقة العقل في تكوين الارتباطات والتداعيات ( التفكير المشع ) . التفكير المشع هو الطريقة الطبيعية التلقائية التي يعمل بها العقل البشري ويشير إلى عمليات تداعي الأفكار التي تنبع من نقطة مركزية. خريطة العقل ما هي إلا انعكاس وتجلي للتفكير المشع في العقل. 

هناك ثلاث خطوات فقط لرسم خريطة العقل:

١ – ابدأ بتحديد صورة أو فكرة واحدة رئيسية في الوسط تشكّل موضوع الخريطة. 

٢ – ارسم فروع من الصورة الرئيسية. هذه الفروع تشكل الأفكار الفرعية المرتبطة بالفكرة الرئيسية.

٣ – ارسم فروعا من الافكار الفرعية، ثم فروع من الفروع إذا احتجت ذلك، واستمر حتى تستخلص كل أفكارك.  

البعد البصري في الخرائط الذهنية يجعل التفكير ممتعا، والتفرعات تساعد على توليد علاقات جديدة بين الأفكار واكتشاف مناحي الضعف والقوة فيها. 

برامج الخرائط الذهنية كثيرة ومعظمها مجاني. أعتقد أن أفضل تطبيق للخرائط الذهنية بلا منازع هو  MindManager لكن سعره المرتفع (١٧٠$ سنويا) يجعلني أغض الطرف عنه. التطبيق الذي عادة أنصح به لمن يجرب الخرائط الذهنية لأول مره هو MindNode لأنه سهل وواضح وواجهته جميلة وجذابة ومعظم خصائصه مجانية ومتوفر على الماك والأيفون والأيباد، والنسخة المدفوعة منه سعرها معقول (دولارين ونصف شهريا أو ٢٠$ سنويا). التطبيق الذي استخدمه غالبا هو XMind، متوفر له نسخة مجانية، ونسخة بـ ٦٠$ سنوياً و بـ ٣٤$ سنوياً للطلاب والأكاديميين. حاليا استكشف تطبيق Miro ويوما بعد يوم أجده يعجبني أكثر فأكثر.

بناء الصندوق الكترونيا باستخدام الخرائط الذهنية

الهدف الأساسي من استخدام الخرائط الذهنية في بناء صندوق مشروعك هو أن تحفزك للإبداع. الخرائط الذهنية مبهجة، وتحفز التفكير، وتساعد على إيجاد علاقات بين مكونات صندوق مشروعك.

– أول خطوة لبناء الصندوق الكترونيا باستخدام الخرائط الذهنية هي أن تضيف اسم المشروع وصورة له في المركز.

 برامج الخرائط الذهنية تسمح لك بسهولة بإضافة الصور. فقط اضغط  بزر الفأرة الأيمن واختر ( إدراج صورة ). 

– ثاني خطوة، أضف التفرعات الأساسية الخمسة التي تحدثنا عنها وكل التفرعات الأخرى التي تحتاجها للعمل على مشروعك.

– ثالث خطوة، أضف كل الملفات التي تحتاجها في مشروعك على شكل تفرعات. الطريقة، كما وضحت سابقا، هي أن تنسخ رابط كل ملف باستخدام تطبيق ( هوك ) ثم تضغط بزر الفأرة الأيمن على كل خانة في الخريطة الذهنية (تسمى عقدة) وتختار ( إدراج رابط ). الآن، بمجرد أن تضغط على اسم الملف في الخريطة الذهنية سينفتح لك مباشرة.

– رابعا وأخيرا، أوجد علاقات بين الملفات واكتب ملاحظاتك عليها.

أضغط هنا لمشاهدة الخريطة بوضوح أعلى

 الرقص مع الصندوق الإلكتروني: كيف تبدع باستخدام الصندوق الالكتروني؟

لنفترض أنك استيقظت باكرا وجلست على مكتبك أمام حاسبك لكتابة الرواية. ستعمل مستخدما الصندوق الإلكتروني الذي صممناه بشكل خريطة ذهنية بالطريقة التالية:

الخطوة الأولى: تفتح ملف الخريطة الذهنية، ومن ملف الخريطة الذهنية تفتح دفتر المذكرات وتكتب فيه حتى يصفى ذهنك.

الخطوة الثانية: من الخريطة الذهنية تفتح قائمة المهام وتراجع المهام المطلوب منك تنفيذها اليوم. تختار أول واحدة ثم تبدأ. 

الخطوة الثالثة: أثناء الكتابة قد تحتاج أن تطلع على صورة، أو تعيد قراءة جزء من مقال. لا مشكلة. كل شيء تحتاجه موجود على الخريطة الذهنية. لو لم تجد ما تحتاجه، أبحث عنه في قوقل أو أي موقع أخر، وبمجرد أن تجده وتطلع عليه، انسخ رابط وأضفه للخريطة الذهنية. 

الخطوة الرابعة: أثناء الكتابة قد ينضب سيل أفكارك، ماذا تفعل؟ فتش في الخريطة الذهنية، قد تجد شيء أضفته مع الملهمات يشعل تفكيرك من جديد. 

الخطوة الخامسة: بعد الانتهاء من جلسة الكتابة أضف للخريطة أي شيء جديد وجدته، حدّث وراجع قائمة المهام، ثم أغلق برنامج الخرائط الذهنية.  

الخطوة السادسة: احتفل ولو بشكل بسيط بإنجازك اليومي.

خريطة الكنز

في كل مره تبدأ مشروع جديد خصص صندوقا الكترونيا، أو خريطة ذهنية، جديدة له. الآن، أريدك أن تتخيل مجلد في حاسبك يحتوي على عدد كبير من الخرائط الذهنية. هذه الخرائط عبارة عن كل المشاريع التي أنجزتها في السنوات الماضية، بعضها ضخم وبعضها صغير، بعضها في العمل وبعضها في حياتك الخاصة. كل خريطة تحتوي كل الملفات والمذكرات والمهام والمصادر التي استخدمتها في كل مشروع. 

بإمكانك لو أردت أن تصمم بنفس الطريقة خريطة ذهنية واحدة تحتوي كل روابط الخرائط الذهنية لمشاريعك. وكأنها صندوق كبير يحتوي كافة صناديق مشاريعك. لنسمي هذه الخريطة الذهنية التي تحتوي كل خرائط أحلامك وأهدافك ( خريطة الكنز ).

هل تشعر بقيمة خريطة الكنز التي لديك؟ 

أولا، بإمكانك من خلال الخرائط الذهنية لمشاريعك السابقة إعادة استخدام  المصادر بسهولة. أيا كان عملك، سوف تجد أنك تستخدم العديد من المراجع عدة مرات، سوف تجد أنك تستخدم نفس النماذج والقوالب والشعارات والخطابات في عدة مشاريع. ما من داعي لإعادة اختراع العجلة. أي شيء  استخدمته سابقا بإمكانك بسهولة الوصول له وإعادة استخدامه من خلال ( خريطة الكنز ). 

ثانيا، بإمكانك من خلال تفحص الخرائط الذهنية لأهدافك التي كرست نفسك من أجلها لفترات طويلة تقييم نفسك بكل شفافية.  هل حققت أهدافك؟ كيف كان أداءك؟ ما هي الأخطاء التي ارتكبتها؟ لو أعدت العمل على تحقيقها هل ستعمل بطريقة مختلفة؟ 

وأخيرا، تستطيع أن تفهم نفسك أكثر من خلال تأملك في خريطة الكنز. هل كنت صبورا على نمو أفكارك؟ هل كنت متسامحا مع نفسك وتقبلت أخطائك؟ هل تعلمت كيف تحتفل وتسعد وتبتهج بإنجازاتك أم أنك بمجرد تحقيقها تبدأ بتعذيب نفسك بالتفكير مباشرة في هدف أخر؟ هل كنت متواضعا واستوعبت أن أفكارك وإنتاجك لم يكن ليحدث لولا مساعدة الأخرين؟ هل ما قمت به كان ذا قيمة حقيقية؟ هل أثر على حياة أحد؟ ولو شخص واحد؟ واهم سؤال من بين كل هذه الأسئلة: هل اندمجت واستمتعت وابتهجت أثناء العمل؟

تمنياتي لكم بأن تجدو توجدوا خريطة الكنز. 

0 تعليق
0 FacebookTwitterEmail

“كما أن هناك كتابة بطريقة مبدعة فهناك قراءة بطريقة مبدعة”

رالف ايمرسون

خريطة أفكار التدوينة


القراءة النتفليكسية

هناك فرق كبير بين أن يستطيع الشخص ( فك الحرف ) وبين أن ( يقرأ ). الشخص الذي يفتقد لمهارة القراءة يستطيع التعرف على الحروف والكلمات وقراءة الجمل لكنه لا يجيد قراءة نصا طويلا وفهمه بشكل عميق. بإمكانه إرغام نفسه على قراءة كتاب بسبب الدراسة أو الوظيفة لكنه لا يجيد ربط أفكار الكتاب الذي بين يديه مع أفكار كتاب سبق وأن قرأه قبل فترة طويلة. القراءة بالنسبة له مملة وكئيبة، وأسوأ كوابيسه أن يضطر لقراءة كتاب من أجل تجاوز امتحان. 

الطريقة الخاملة المملة في القراءة هي السبب الأول في النفور منها. الكثير من الشباب لديهم رغبة مشتعلة بالتعلم وتطوير ذواتهم وتبدأ عادة رحلة التغيير بالاستفسار من الأصدقاء والمتابعين على شبكات التواصل: “أي كتب تنصحوني أقرأ؟”. هذا السؤال جيد، لكن هناك سؤال أفضل، ألا وهو: ( كيف أقرأ بشكل جيد؟ وكيف استمتع بما أقرأه؟). كيف تستمتع بالقراءة أهم سؤال، أهم من كيف تستفيد من القراءة، لأنك إذا استمتعت سوف تواصل القراءة، ولكن لو استفدت بعض المعلومات والحقائق وأنت تشعر بالملل سوف تضع الكتاب جانبا بعد فترة قصيرة.

لنسمي الطريقة الخاملة في القراءة ( القراءة النتفليكسية ). الطريقة النتفليكسية مشتقة من اسم خدمة ( نتفليكس ) لبث الأفلام والمسلسلات على الإنترنت. أثناء مشاهدة مسلسل ( ناركوس ) أو ( هاوس أوف كاردز ) فنحن نكتفي بالاستلقاء على الأريكة والتحديق بالشاشة دون أي تفاعل. هذه الطريقة ممتعة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات لكنها ليست ممتعة للقراءة. 

كيف نقرأ بطريقة مبدعة؟ القراءة المبدعة تعني أن تقرأ لإدراك المعاني الصريحة والضمنية في الكتاب، للاستمتاع وتقدير المادة المقروءة، وللحكم على أفكار المؤلف وتقييمها بحيادية وموضوعية. الهدف من القراءة المبدعة يتجاوز مستوى الفهم الحرفي البسيط للمادة المكتوبة للوصول للقدرة لإبداع أفكار جديدة لم تذكر صراحة في الكتاب باستخدام أفكار الكتاب.

 لنبدأ بالقاعدة الذهبية في القراءة المبدعة: لكي تقرأ بطريقة مبدعة يجب أن تكون نشطا في القراءة وتتفاعل مع محتوى الكتاب. التفاعل مع الكتاب يزيد من قدر استفادتك واستمتاعك بالقراءة. 

أبسط أنواع التفاعل مع محتوى الكتاب هي: 

(١) التظليل

(٢) كتابة الملاحظات على الهوامش 

التظليل

لنبدأ بالتظليل، سأذكر لكم مثالا بسيط يوضح الفكرة والفائدة من التظليل. أذكر أني سمعت كثيرا عن كتاب مختص في إدارة الوقت اسمه ( قوة الوقت ). عنما بدأت في قراءته اتضح لي أن الكتاب عبارة عن أفكار ومقترحات كثيرة في إدارة الوقت. أي أنه لم يكن عبارة عن نظام تتعلمه وتطبقه وتنتهي منه، لكن كان عبارة عن مئات الاقتراحات في إدارة الوقت بحيث تقرأها وتنتقي وتطبق منها ما تشاء ثم تعود مرة أخرى وتجرب أفكار أخرى. قرأت الكتاب من الجلدة للجلدة بسرعة متوسطة وكنت أظلل كل ما أظنه مفيدا. بعد الانتهاء كان لدي عدد جيد من الأفكار المظللة. اخترت عدد قليل من الأفكار ثم وضعت الكتاب جانبا وبدأت بتجربتها. 

التظليل

بعد مرور سنتين علي قراءة الكتاب كان لدي تسليم مشروع ضخم وكنت في حالة من ضيق الوقت. بعد طول انقطاع عن الكتاب  لم أعد استطيع استحضار أفكاره، والوقت لن يسعفني لإعادة قراءته،  لكن الحل كان سهلا. كل ما كان علي فعله هو أن افتح الكتاب وأقلب صفحاته بسرعة وأقرأ تظليلاتي. تدريجيا شعرت وكأن الزمن استدار سنتين للخلف، بدأت استرجع كل ما قرأته، وفي دقائق بسيطة اخترت اقتراحات بسيطة لإدارة الوقت وقررت تطبيقها. لو أني لم أظلل فقرات الكتاب كنت سأكون أمام خيارين: الأول أن استمر في مناطحة المشروع رأس برأس على أمل أن أتمكن من إنجازه في الوقت المحدد، والثاني أن أعيد قراءة الكتاب بالكامل. خيارين كلاهما مر، لكن الحمد لله قلم تظليل بريالين ونصف كان كفيلا بإنقاذ الموقف. 

الكتابة على الهوامش

بالنسبة للكتابة للهوامش، سأذكر لكم مثال مختلف. في إحدى المقررات التي درستها في الماجستير كنت أدرس عند دكتورة تطلب كمية قراءة هائلة. أحيانا كنا نضطر أن نقرأ كتاب كامل في أسبوع واحد فقط وأن نكتب تقرير مفصل عنه ونناقشه في المحاضرة التالية. كنت مضطر أن أقرأ لساعات طويلة، ومشكلة القراءة لساعات طويلة أنك تفقد التركيز مع مرور الوقت. كنت احتاج طريقة للمحافظة على تركيزي طوال مدة القراءة، كما كنت أود أن استمتع بها. 

بعد تجربة عدة أفكار، الحل الأكثر فعالية كان الكتابة على الهوامش. الطريقة كانت أن أقرأ الكتاب وبعد كل فقرة كنت أتوقف وأحاول أن ألخصها بأقل عدد ممكن من الكلمات. أحيانا في كلمة واحدة وبالكثير في ست كلمات. محاولة تلخيص الفقرة بكلمات قليلة تدفعك للتفكير بشكل أعمق فيها حتى تستخلص لبها. ميزة كتابة الكلمات على الهامش أنها تحافظ على تركيزك من التشتت وتقوي قدرتك على الاستيعاب. في بعض الأوقات كنت أشعر أن تركيزي عالي وأني مندمج مع الكتاب لذلك كنت استمر ولا أتوقف للكتابة وبعد الانتهاء من قراءة عدة صفحات أتوقف لتلخيص كل فقرة. 

الكتابة علي الهامش

بعد نهاية قراءة أول فصل من الكتاب عدت أقرأ الكلمات المكتوبة على الهوامش. تفاجأت أني بمجرد قراءة الكلمات القليلة بجانب الفقرة على الهامش أستطيع تذكر الفقرة بالكامل. بل أتضح لي أني أستطيع تتبع أفكار الفصل بالكامل وفهمها بشكل أعمق من خلالها فقط. بعد الانتهاء من قراءة الكتاب والاستعداد لكتابة التقرير وجدت أن كتابة التقرير صارت أكثر سلاسة ومتعة. في كل مره كنت أواجه مطب في الكتابة كنت أعيد قراءة كلمات الهوامش وأجد نفسي قادرا على توليد فكرة جديدة من خلال ربط فكرتين من فقرتين تفصلهما عدة صفحات عن طريق كلمات الهوامش. 

 بدون مبالغة، الكتابة على هامش الكتاب تجعلك مؤلف ثاني. كلماتك على الهامش تغير دورك من القارئ التقليدي النتفليكسي المستلقي على أريكة لترفعك لمنزلة المؤلف المشارك للكتاب بحيث أن كلماتك وكلمات المؤلف تتشابك على الصفحة بطريقة منظمة وبناءة.

القراءة على تطبيق Highlights


تطبيق Highlights

عندما أجد أي مقال أو صفحة على الإنترنت تستحق القراءة، أو حتى متسلسلة (ثريد) على تويتر، أقوم مباشرة بحفظها بصيغة PDF. حفظها بهذه الصيغة يعني أن المقال سوف يظل لدي حتى لو حُذف من على الإنترنت، ويعني أيضا أني استطيع أن أقراء المقال على أي جهاز وعلي أي نظام تشغيل، وأهم شيء يعني أني استطيع أن أظلله وأكتب الملاحظات على هوامشه. التقارير والأبحاث المنشورة دائما تتوفر بصيغة PDF جاهزة للتحميل، أما بالنسبة للكتب الإلكترونية فأفضل طريقة لقراءتها هي الملفات بصيغة ePub لكن معظم الكتب العربية الإلكترونية لا تتوفر إلا بصيغة PDF.

أفضل قارئ ملفات PDF بشكل عام هو PDF Expert. من خلال تجربتي وجدت أنه القارئ الأكثر ثباتا ويعمل بكفاءة عالية لكن في نفس الوقت هو أقل قارئ ابتكارا. تطبيق PDF Expert يركز فقط على الخصائص التقليدية المعتادة للقارئات ولا يضيف أي خصائص جديدة. 

سوف أركز في هذه التدوينة على تطبيق Highlights لأنه يحتوي على بعض الخصائص المفيدة للقارئ الذي يود أن يقرأ بطريقة مبدعة. تطبيق Highlights متوفر على الماك، والآيباد، والأيفون. لا يوجد حاليا نسخة على نظام الويندوز أو الأندرويد. التطبيق متوفر بنسخة مجانية ونسخة مدفوعة تحتوي على خصائص أكثر. سعر النسخة المدفوعة ثلاث دولارات شهريا أو ٢٥ دولار سنويا، وبقيمة اشتراك واحد تحصل على التطبيق على الماك والآيباد والأيفون. التطبيق يستهدف الباحثين، لكن غير الباحثين سوف يجدون الكثير من خصائصه مفيدة لهم. 

ميزة مهمة على Highlights: الحواشي المعيارية

قبل أن نتحدث عن تطبيق Highlights يجب أن نشير لأن التطبيق يستخدم ( الحواشي المعيارية Standard Annotations ) لملفات PDF. هذه خاصية مهمة وحساسة، لكن ماذا يقصد بها؟ مشكلة معظم قارئات PDF أنها تقدم خصائص لا يمكنك استخدامها إلا مع التطبيق الذي أُنشئت عليه. بمعني أنك لو كنت في منزلك تقرأ وتحرر ملف PDF بتطبيق لا يستخدم الحواشي المعيارية، ثم انتقلت لعملك وفتحت نفس الملف بتطبيق مختلف على حاسب أخر فإن كل الإضافات (مثلا، تظليل، ملاحظة، رسم خط أو دائرة) على الملف لن تظهر لك. لكن في حال كان التطبيق يستخدم الحواشي المعيارية – مثل Highlights – فإن أي شيء تضيفه على ملف PDF سوف يظهر لك، حتى لو فتحته على تطبيق أخر ولن يكون حكرا على Highlights. 

ملاحظة للباحثين

لو كنت باحثا، فلابد أنك تستخدم برنامج لإدارة المراجع Reference Manger للمساعدة في الاستشهاد أثناء كتابة البحث، لو قررت ان تستخدم تطبيق Highlights لقراءة الأبحاث فستجد أنه يتوافق مع أي برنامج إدارة مراجع تستخدمه لأن أي تعديل تقوم به باستخدام Highlights معياري ويظهر على أي برنامج أخر. 

التظليل وكتابة الملاحظات على Highlights

هذه هي واجهة تطبيق Highlights البسيطة:

واجهة تطبيق Highlights

الآن لنفرض أنك تقرأ كتاب ( تغيّر العقل ) وأثناء قراءتك مرت عليك الفقرة في الصورة أدناه، ولنفترض أن مصطلح  ( حرائق الغابات الرقمية ) شدّك وقررت أن تبحث أكثر عنه لاحقا. أثناء القراءة أفضل شيء يمكن أن تقوم به هو أن تظلل الفقرة التي ورد فيها المصطلح وتكتب ملاحظة تذكر نفسك بالبحث عن المصطلح.

طريقة تظليل فقرة

بمجرد تظليلك الفقرة تظهر لك القائمة وتختار منها لون التظليل الذي تريده. إذا كنت تعتقد أنك سوف تظلل كثيرا بإمكانك تحديد خيار افتراضي في التفضيلات. مثلا، الخيار الافتراضي بالنسبة لي التظليل باللون البرتقالي. بالتالي، بمجرد تحديدي لأي نص يظلله التطبيق مباشرة باللون البرتقالي ولا تظهر لي القائمة التي في الصورة. هذا يسرّع القراءة كثيرا. 

الأن نريد أن نكتب الملاحظة. أريد أن أذكّر نفسي لماذا ظللت الفقرة (ظللتها لأني أريد البحث عن مصطلح “حرائق الغابات الرقمية”). 

هناك طريقتين لكتابة الملاحظات: 

الطريقة الأولى: تضغط زر الملاحظة المشار إليه بالمربع، ثم تحدد مكان الملاحظة (بجانب الفقرة المظللة) ثم تكتب ما تريد.

الطريقة الأولى لإضافة ملاحظة

الطريقة الثانية: أن تضغط على الفقرة المظللة وتكتب الملاحظة كما في الصورة التالية:

الطريقة الثانية لإضافة الملاحظات

 الفرق بين الطريقتين أن في الطريقة الأولى الملاحظة جزء مستقل لها أيقونة ظاهرة على الهامش بينما في الطريقة الثانية الملاحظة مرتبطة مع التظليل ولا يظهر لها أيقونة على الهامش وتظهر لك فقط إذا ضغطت على التظليل. شخصيا، استخدم الطريقة الأولى لتلخيص أفكار الفقرات أو كتابة انطباعات عما قرأته، واستخدم الطريقة الثانية لتذكير نفسي بسبب تظليل الفقرة. أحيانا أظلل فقرة للبحث عن مصطلح معين ورد فيها، أو للاستشهاد بها في مقال اكتبه، أو لإضافتها لمخزن الاستشهادات لدي، أو لاستخدامها كبذرة لمقال جديد، ومن المفيد تذكير نفسي المستقبلية بذلك. 

الخلطة السحرية لقراءة الملاحظات والتظليلات

الأن لنفترض أنك انتهيت من قراءة كتاب ( تغيّر العقل ). الكتاب عبارة عن ٣٩٠ صفحة، وفي الغالب أنك قمت بتظليل العديد من الفقرات وكتبت الكثير من الملاحظات أثناء القراءة. 

السؤال الذهبي الأن: كيف تتعامل مع الكم الضخم من ملاحظاتك وتظليلاتك؟

هنا يلمع ويتألق تطبيق Highlights كنجم الشمال للمسافرين في الصحراء. 

يوجد طريقتين للتعامل مع الملاحظات والتظليلات. 

الطريقة الأولى: القراءة من لوح الملاحظات.

انظر للصورة التالية ولنناقشها كل عنصرا علي حدة.

قراءة الملاحظات من قائمة لوح الملاحظات

١ – هذا زر عرض قائمة الملاحظات. عندما تضغط عليه يعرض عليك قائمة بكافة تظليلاتك وملاحظاتك في الكتاب، فوق كل ملاحظة سوف تجد رقم الصفحة التي وردت فيها وتاريخ كتابتها. 

٢ – هذه أول ملاحظة كتبناها. هذه الملاحظة التي كتبناها من خلال الأيقونة الصفراء الموجودة على الهامش في يسار الصفحة. 

٣ – هذا أول تظليل قمنا به ويظهر أسفله مباشرة ثاني ملاحظة كتبناها. هذه الملاحظة كما ترى مرتبطة بالتظليل وليست مستقلة مثل السابقة. 

٤ – في هذه الملاحظة أريدك أن تنتبه لمشكلة اتجاه النص عند دمج اللغة العربية والإنجليزية في ملاحظة واحدة. أتمنى أن يتم دعم اللغة العربية بشكل أفضل في النسخ القادمة. 

٥ – في هذه التظليل لاحظ اختلاف لون التظليل من البرتقالي للأخضر. 

٦ – هنا لاحظ أنك تستطيع إضافة أي صور أو جداول لقائمة الملاحظات. لو كان الجدول باللغة الإنجليزية فـ Highlights يستطيع أن يحوله لك من صورة إلى جدول حقيقي. مثلا، لو كنت تقرأ مقال أو بحث يحتوي جدول وأردت أن تستخدمه في مقال أو تقرير، كل ما عليك هو تحديده وسوف يظهر كجدول في قائمة الملاحظات بإمكانك نسخه والتعديل عليه وإضافته إلى عملك. مذهل، أليس كذلك؟

الطريقة الثانية: قراءة الملاحظات في ملف مستقل

أنظر للصورة التالية للتوضيح:

قراءة الملاحظات في ملف مستقل

عندما تضغط زر المشاركة الموجود في أعلى المربع الأحمر في الصورة تظهر لك عدة خيارات، أول خيار يحوّل لك كل ملاحظاتك وتظليلاتك لملف PDF مستقل بحيث تستطيع قراءتها ومراجعتها بشكل مريح كما في الصورة التالية. 

ملف الملاحظات

بإمكانك أيضا من قائمة المشاركة الظاهرة في الصورة آن تحول ملاحظاتك لصيغ أخرى مثل Markdown والتي تستخدم على نطاق واسع في برامج الكتابة، كما بإمكانك أن ترسل الملاحظات بشكل مباشر لتطبيق آبل للملاحظات أو تطبيق Evernote، أيضا يمكنك أن ترسل الملاحظات كبريد إلكتروني. 

ينبوع الحكمة ومزرعة الأفكار

أليس هذا رائعا؟ بعد قراءة كتاب من ٤٠٠ صفحة ينتج لك التطبيق ملف PDF صغير فيه عصارة وخلاصة ولب أفكار الكتاب . تستطيع أن تقرأ هذا الملف على أي تطبيق وعلى أي جهاز، بما في ذلك الأيفون، كما بإمكانك مشاركته مع الأخرين.

تخيل طالبا مطلوب منه أن يكتب تقرير عن الكتاب وقارن بين وضعه وهو يقلب في ٤٠٠ صفحة في محاولة منهكة لجمع وربط أفكار الكتاب، وبين وضعه هو يتصفح ملف PDF صغير مثل الذي في الصورة يحتوي الكتاب معصورا ومقطراً.

تخيل نفسك بعد مضي سنين على قراءة كتاب بديع وتود أن تتذكر أفكاره وانطباعاتك أثناء قراءته. هل تعيد قراءة الكتاب بالكامل؟ حظا موفقا في ذلك.

تخيل لو كان لديك مجلد عبارة عن مجموعة ملفات PDF كل ملف عبارة عن جوهر وزبدة كل كتاب قرأته. أي ينبوع من المعرفة والحكمة سيكون تحت إمرتك؟ أي مزرعة من الأفكار ستكون تحت تصرفك؟ 

تطبيق Skim بديل مجاني لتطبيق Highlights

كما ذكرت سابقا، تطبيق Highlights يوفر نسخة مجانية ونسخة مدفوعة، وبإمكانك أن تجرب النسخة المدفوعة مجانا لمدة شهر. لكن لو كنت تفضل تطبيق مجاني بالكامل فأنصحك بتطبيق Skim. التطبيق مشابه لتطبيق Highlights بل يقدم مزايا وخصائص أكثر وأفضل منه. مشكلة Skim الأولى أنه متوفر فقط على الماك وأنا أقرأ بشكل أساسي على الأيباد. المشكلة الثانية أن كثير من الحواشي التي يضيفها ليست معيارية، بمعنى أنها لا تظهر عندما أفتح ملف PDF بتطبيق أخر. نقطة ثالثة، وإن كانت أقل جوهرية، واجهة Highlights أوضح وأبسط وأجمل بكثير.

تمنياتي لكم بقراءة مبدعة.

0 تعليق
5 FacebookTwitterEmail