في بداية عصر الحواسيب كان الشخص إذا مات لا يمكن لأي من أقاربه أو أصدقائه الإطلاع على ملفاته أو حساباته الشخصية بسبب حمايتها بكلمات سرية. تعايش الناس مع هذه المشكلة لفترة طويلة، لكن بدأت تحدث حالات يكون فيها الوصول لملفات المتوفي أمراً في غاية الأهمية وهو ما أوقع الشركات الكبيرة – مثل قوقل وآبل – في مأزق شديد ..
.. وهذا ما دفع المبرمجين لاختراع تقنية ( مفتاح الموت ) ..
باستخدام تقنية ( مفتاح الموت )، يطلب الحاسب منك كل أسبوع أن تعيد إدخال كلمة المرور للتأكد من أنك ما تزال على قيد الحياة. وعندما لا تقوم بإدخال كلمة المرور يكرّر الحاسب الطلب منك بضع مرات، وإذا لم تستجب، يستنتج أنك مت. يقوم حينها تلقائياً بإرسال كلمات مرورك بالبريد الإلكتروني إلى صديق أو قريب من اختيارك سلفاً.
بدأ الأفراد في استخدام ( مفتاح الموت ) للكشف عن أرقام حساباتهم المصرفية السويسرية لورثتهم، أو الرد لمرة أخيرة على جدال طويل، أو الاعتراف بأسرار كتموها طوال حياتهم.
مع مرور الوقت، أدرك الناس أنه بالإمكان أن يستخدمو ( مفتاح الموت ) لتوديع أحبائهم ألكترونياً. بدلاً من إرسال كلمات المرور، صار الناس يبرمجون حواسيبهم لإرسال رسائل بريد إلكتروني إلى أصدقائهم لإعلان وفاتهم. كانت رسائل البريد الإلكتروني تكتب على شاكلة : “يبدو أنني ميت الآن، سأغتنم هذه الفرصة لأخبرك بأشياء أردت دائمًا التعبير لك عنها … “
بعد فترة وجيزة، أدرك الناس أن بإمكانهم أيضا برمجة الرسائل ليتم إرسالها في مواعيد محددة في المستقبل. مثلاً، صار ( مفتاح الموت ) يرسل رسالة كالتالي: “مرحباً يا بني، يوم ميلاد سعيد. لقد مرت 22 سنة على وفاتي. أتمنى أن كل شي على ما يرام. بلّغ تحياتي لأمك “.
تدريجياً، بدأ الناس يبتكرون استخدامات جديدة لـ ( مفتاح الموت ). فبدلاً من إعلان وفاتهم في رسائل البريد الإلكتروني، تظاهروا بأنهم لم يكونوا موتى أصلاً. باستخدام خوارزميات الاستجابة التلقائية التي تحلل بذكاء الرسائل الواردة، كان يمكن لمفتاح الموت أن يولّد أعذارًا مقنعة لرفض الدعوات، أو لإرسال تهنئة على الزواج، أو التخرّج، أو قدوم مولود، كما كان يمكنه أن يضيف تظاهراً بالتطلع إلى التقاء المرسل إليه في أقرب فرصة.
اليوم، أصبحت برمجة مفتاح الموت للتظاهر بأنك لست ميتًا شكلاً من أشكال الفن. صار من الممكن أن تتم برمجته لإرسال فاكس من حين لآخر، أو إجراء تحويل بين الحسابات المصرفية، أو القيام بشراء رواية حديثة عبر الإنترنت. النسخ المتطورة من ( مفتاح الموت ) صار لديها القدرة على التعبير عن الحنين للذكريات القديمة، وتذكّر المغامرات المشتركة، وتبادل القصص، وإلقاء الدعابات، والتفاخر والاعتزاز بالماضي.
على الرغم من إن البشر أدركوا منذ زمن بعيد أنه لا يمكنهم قهر الموت، لكنهم، من خلال ( مفتاح الموت )، أكتشفوا أن باستطاعتهم، على الأقل، أن يبصقوا في كأسه.
أدى هذا لثورة روحانية نادت بحرمة التعدي على صمت القبور. ومع ذلك، فإن أولئك الذين كانوا على قيد الحياة واجهوا مشكلة غير متوقعة في التفريق بين الموتى والأحياء. فقد كانت الحواسيب تعمل على مدار الساعة لإرسال رسائل اجتماعية مهذبة من الموتى للأحياء، كانت ترسل التحيات والتعازي والدعوات والمغازلة والأعذار والمحادثات الصغيرة والنكات التي لا يفهم مقصدها إلا الأشخاص الذين يعرفون بعضهم البعض جيدًا.
تجلى لنا الأن مصير المجتمع البشري، مات معظم الناس، وأنا واحد من القلة القليلة الباقية. بحلول الوقت الذي أموت فيه سيتم تفعيل مفتاح الموت الخاص بي، ولن يبقى إي شيء في هذا العالم سوى شبكة معقدة من الرسائل الإلكترونية مع عدم وجود أي شخص حي لقراءتها، سيتحول العالم إلى مجتمع من رسائل البريد الإلكتروني التي تنطلق ذهابًا وإيابًا تحت أقمار صناعية صامتة تدور حول كوكب يخلو من الحياة.
في المستقبل ستهبط حضارة فضائية على الأرض، وستكون قادرة فوراً على فهم حياة البشر، لأن ما سيتبقى منها هو شبكة علاقاتها: من أحب من، ومن نافس من، ومن خدع من، ومن ضحك مع من في الرحلات البرية وسهرات ليالي الصيف. في هذه الشبكة الإلكترونية العملاقة، كل إنسان يرتبط اسمه مع اسماء رؤسائه في العمل، وأشقائه ووالديه، واسماء خصومه وأصحابه وخلانه. تقنية ( مفتاح الموت ) تحاكي وتجسّد مجتمعنا تمامًا، بحيث يمكن من خلالها إعادة بناء الشبكة الاجتماعية بأكملها.
باختصار، كل ذكريات الكوكب ستعيش في شكل أصفار وآحاد. بهذه الطريقة سنتذكر المواقف التي أبهجتنا للأبد، وسوف نحصل على فرصة أخرى لقول كلمة طيبة لم نقلها في وقتها، وسنتذكر قصص وتجارب حياتنا التي لم يعد بإمكاننا الشعور بها.
* ترجمة لقصة Deathswitch لعالم الأعصاب الأمريكي David Eaglman والتي نشرها في مجموعته القصصية المبهرة Sum